مسقط-أثير
لعمان وتحت اسمها كانت الاتصالات هي المحور الرئيسي الذي أسهم في تسريع عملية التنمية خلال الخمسين عاما الماضية وفتح السلطنة على شعوب العالم، وقد لعب قطاع الاتصالات دورا محوريا وشكل ركيزة أساسية لمسيرة التنمية الشاملة التي أسس لها المغفور له صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور –طيب الله ثراه- وأسهم في نمو مختلف القطاعات الأخرى. فمن بدايات بسيطة للقطاع بخطوط هاتفية تبلغ 500 خط فقط عام 1970م إلى شبكة متكاملة ومتطورة لخدمات الاتصالات المتنقلة والثابتة والإنترنت وأنظمة الكوابل البحرية الدولية، إضافة إلى أنظمة الحلول الذكية والتقنية الرقمية لتكنولوجيا المعلومات ووصولا إلى خدمات الثورة الصناعية الرابعة.
كان التركيز في بدايات النهضة المباركة على التوسع في إيصال خدمات الاتصالات الأساسية إلى أكبر عدد ممكن من سكان السلطنة من خلال التقنيات المتاحة في تلك الفترة، وهذا ما أدركه المغفور له بإذن الله حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس –طيب الله ثراه- وزيارته الشخصية عام 1971م لمقر شركة كيبل أند وايرلس المحدودة “التي كانت تتولى إدارة مرفق الاتصالات ثم تم تحويلها إلى شركة عمان للاتصالات السلكية واللاسلكية”، ويومها قال مدير مشروع الشركة الناشئة “باسم إرادة التغيير التي يقودها جلالة السلطان المعظم في رسالة وشرف، باسم عمان الناهضة الفتية نقف اليوم أمام حقيقة هادفة تجسد فيها طموح أمة تسابق الزمن لتلحق بركب التقدم والرخاء وحقيقة التصميم على العمل والإخلاص” لتنطلق مسيرة الاتصالات وتجعل من عمان متواصلة مع بعضها البعض ومع العالم وشريك رئيسي في التنمية التي شهدتها نهضة عمان المتجددة.
وحين يأتي الحديث عن تاريخ الاتصالات في عمان لابد من الإشارة إلى ما ذكرته بعض الوثائق التاريخية التي تشير إلى القرن التاسع عشر عندما تم مد أول كيبل تلغراف بمحافظة مسندم (جزيرة التلغراف) عام 1864م ثم كيبل تلغراف آخر من عدن إلى مسقط عام 1877م تلتها سنوات من الازدهار في قطاع المواصلات السلكية واللاسلكية وقطاع الاتصالات وخدمات تكنولوجيا المعلومات مع ميلاد النهضة المباركة التي شهدت نقلة نوعية متسارعة في هذا الجانب، فجاء العقد الأول من المسيرة التنموية بالاهتمام بتوسعة البنية الأساسية للشبكة والمقاسم الهاتفية وزيادة عدد خطوط الهاتف وتوسعة المحطات الأرضية للاتصالات الفضائية إضافة إلى تنظيم القطاع من خلال تأسيس شركة عمان للاتصالات السلكية واللاسلكية عام 1975م لتحل محل الشركة المشغلة السابقة كيبل أند وايرلس المحدودة وفي نفس العام تم افتتاح محطة الأقمار الصناعية بولاية العامرات وإنشاء وزارة البريد والبرق والهاتف عام 1978م.
وفي الثمانينات من القرن الماضي استمرت الإنجازات في قطاع الاتصالات، فتم إنشاء الهيئة العامة للمواصلات السلكية واللاسلكية عام 1980م وأدخلت خدمة الهواتف العمومية العاملة بالعملة، وتواصلت مسيرة بناء أنظمة الاتصالات على مستوى السلطنة وتوسعة نطاقها لتشمل ولايات مختلفة، وفي عقد الثمانينات من القرن الماضي أيضًا تم استحداث التقنية الرقمية في شبكة المقاسم الهاتفية وهو ما أسهم في توفير عدد من خدمات القيمة المضافة تلاها إدخال الهاتف السيار في عام 1985م.
وفي العقد الأخير من القرن العشرين شهد قطاع الاتصالات طفرة نوعية بالانتقال إلى تقنية المقاسم الرقمية بشكل كامل وإدخال خدمة الهاتف المتنقل العالمي عام 1996م تلاها مباشرة إدخال خدمة الإنترنت مشكّلة ثورة جديدة في عالم الاتصالات ونقلة فريدة في تقديم خدمات متعددة فيما بعد، وفي نهاية العقد تم تحويل الهيئة العامة للمواصلات السلكية واللاسلكية في عام 1999م إلى الشركة العمانية للاتصالات –عمانتل– لتفتح صفحة جديدة تعزز رؤية السلطنة في تطوير قطاع الاتصالات.
وفي مطلع القرن العشرين عام 2001 م تم إدخال خدمة البطاقات المدفوعة القيمة مسبقا “حياك” لخدمة الهواتف المتنقلة لتشكّل بعد ذلك أبرز علامة تجارية حتى الآن على مستوى قطاع الاتصالات بالسلطنة، وفي عام 2002م تم إنشاء هيئة تنظيم الاتصالات كجهة مسؤولة عن تنظيم القطاع وتسريع عملية تحرير القطاع الذي بدأت أولى ثماره في العام 2004م مع طرح الرخصة الثانية لتقديم خدمات الاتصالات المتنقلة في السلطنة ومن ثم تخصيص عمانتل من خلال بيع 30% من أسهم الحكومة في الشركة في منتصف عام 2005 م.
وقد سعت عمانتل على تعزيز وتطوير الشبكة لمواكبة التطورات المتسارعة في قطاع الاتصالات والوفاء بالطلب المتزايد عليها من مختلف شرائح المجتمع، حيث تم استبدال شبكة الكوابل النحاسية بأخرى من كوابل الألياف البصرية لربط المقاسم ببعضها وإنشاء المحطات الأرضية الفضائية وزيادة عدد القنوات الدولية التي تمكن السلطنة من التواصل مع العالم الخارجي.
وقد أسهم الانتقال إلى التقنية الرقمية في تعزيز اعتمادية وموثوقية الشبكة، وعملت عمانتل على الاستثمار في توسعة شبكة الإرسال المحلية وربط مختلف محافظات السلطنة بشبكة من الألياف البصرية إضافة إلى تصميم الشبكة على شكل حلقات للمساهمة في إيجاد بدائل تسهم في استمرارية الخدمة في حالة تعرضها للقطع.
تتمتع السلطنة اليوم بأحد أعلى معدلات التغطية ببلوغ نسبة تغطية خدمات الاتصالات المتنقلة بعمانتل نسبة 96.40% لشبكات الجيل الثاني وبنسبة 99.38% لشبكات الجيل الثالث و94.76% للجيل الرابع من المناطق المأهولة بالسكان، كما دشنت عمانتل في أواخر عام 2019م تقنية شبكة للجيل الخامس في السلطنة حيث أسهمت في توفير خدمة الإنترنت المنزلي للعديد من المناطق التي لم تحظى بتغطية شبكات النطاق العريض سابقا، ويجري نشر هذه التقنية وفق خطة طموحة تم الاتفاق عليها مع هيئة تنظيم الاتصالات تتضمن تركيب نحو 2226 محطة حتى عام 2024م.
فرضت التحولات الكبيرة في قطاع الاتصالات على المشغلين إيجاد طرق بديلة لتنويع مصادر الدخل بغية الحفاظ على استدامة أعمال الشركة ومواردها المالية، وقد عملت عمانتل على تطبيق ذلك من خلال إستراتيجية راسخة تمثلت في الاستثمار المكثف في كوابل الاتصالات البحرية الدولية من خلال الاستفادة من الموقع الإستراتيجي الفريد الذي تتمتع به السلطنة علاوة على الاستقرار السياسي في ربط شمال العالم بجنوبه وشرقه بغربه، كما قامت عمانتل بالتوسع إقليميا من خلال الاستحواذ على حصة إستراتيجية بمجموعة زين الكويتية للاتصالات، وتوفر صفقة الاستحواذ هذه العديد من المزايا حيث تسهم في تبادل الخبرات بين الطرفين والاستفادة من فرص التكامل اللامحدودة بين عمانتل ومجموعة زين في مختلف الأسواق التي تعمل بها، وقد نتج عن هذا الاستثمار تكوين ثالث أكبر تحالف للاتصالات المتنقلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتعزيز وجود عمانتل الإقليمي عبر مجموعة زين حيث تعمل مجموعة زين في ثمان دول بالمنطقة، وداخليا قامت عمانتل باستحداث وحدة لحلول تقنية المعلومات والاتصالات “ICT” لتوفير خدمات البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء وحلول الذكاء الاصطناعي حيث عملت هذه الوحدة على بناء شراكات عالمية ومحلية بهدف تقديم حلول وخدمات اتصالات متخصصة تفي باحتياجات مختلف مشتركيها.
.