المكرّم السيد نوح بن محمد بن أحمد البوسعيدي- رئيس الجمعية التاريخية العمانية
الودّ العماني الإماراتي مخلوق في التركيبة الجينية للشعبين الشقيقين. هو ليس مجاملات مصطنعة ولا مصالح يحكمها الريال والدرهم بل هي محبة أخوية تجري في العروق.
ومن نماذجها البارزة الولي الطاهر معالي الشيخ محمد ابن الشيخ أحمد بن حسن الخزرجي الأنصاري رحمة الله عليه.
كم كان شغوفا بعمان ، محبا لجبالها وسيوحها ووديانها. كم كان يتنفس الصعداء و هو غارق في تأملاته والسيارة تجري به في سهل الباطنة الخضراء خلال مساراته المتكررة من أبوظبي إلى مسقط. كم كان عاشقا لجلسات الشيّاب حيث يحلو الحديث عن الخيل و الليل و القرطاس و القلم.
وُلد الشيخ في ٢٠ رمضان المبارك ١٣٣٨هـ الموافق العام ١٩١٩م في بيت عُرف بالعلم و التقوى و الصلاح. بدأ الشيخ تعليمه في المدرسة الأحمدية ثم مدرسة الفلاح و بعدها سافر للإحساء لطلب العلم حيث نهل من موارد العلوم الفقهية و الشرعية و حباه الله من التوفيق الربّاني و فتح له من المعارف فتحا عظيما.
بدأ الشيخ الجليل حياته العملية في القضاء الشرعي ثم أصبح مستشارا و بعدها عُّيّن وزيرا للعدل و الشؤون الإسلامية و الأوقاف كما ترأس لجنة التراث و التاريخ و كان له دور بارز في وضع الهياكل العصرية الراسخة للنهضة الحديثة لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة.
للشيخ الجليل جهد كبير في مجال التأليف العلمي و قد ألّف العديد من الكتب منها الفتاوي الخزرجية ، الخطب المنبَرية ، القول الواضح المفيد ،القول البديع في الرّد على القائلين بالتبديع ، كذا له ديوان شعر بالفصحى و النبطي.
حمل الشيخ رحمة الله عليه ، و هو الأنصاري الخزرجي الأصيل ، أمانة بيعتي العقبة الأولى والثانية اللتين تعّهد بهما أجداده الأُول في العقد الثاني للبعثه النبوية الشريفة. إنه العهد على نصرة نبي الإسلام و دين الإسلام و رسالة الإسلام الطاهرة السمحة على صاحبها أفضل صلاة و أكمل سلام.
لذا وقف سماحة الشيخ بحزم وثبات ضد كل محدثات التطرّف و التزمّت و الغلو التي ظهرت ببلاد المسلمين في تلك الفترة ، و كافح الفتن و التفرق و و تمسّك بالعقيدة السمحة. فحمى مجتمعه و بلده و دينه. وبذلك نال التقدير الكبير من رئيس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمة الله عليه وحظي بحّب الناس. و تقديرا لدوره الريادي أصدر بريد الإمارات طوابع بريدية باسمه وتقام عدة مناشط تقديرا لدوره.
انتقل الشيخ إلى رحمة الله عام ٢٠٠٦ م، و لا يزال الشيخ محمد بن أحمد بن حسن الخزرجي الانصاري اسما حاضرا في وجدان العمانيين. أحبّهم وأحبّوه . كان نموذجا للألفة والأّخوة و المودة. و “آيَةُ الإيمانِ حُبُّ الأَنْصارِ” صدق رسول الله صلى الله عليه و سلّم.
هكذا المؤمن الحّق، يقف قويا ثابتا أمام الفتن و الباطل، و لطيفا و دودا في مقتضيات البّر و الخير.
عصى موسى تخيّلها سحرة فرعون حيّة تسعى، لكنها هي ذاتها التي فجّرت اثنتي عشرة عينا.
