أثير – موسى الفرعي
آراؤنا ومواقفنا مكوِّن رئيس في شخصياتنا، ويمكن أن تتغير وتتشكل بحجم معرفتنا واتساع رؤيتنا أو بتغير معطيات الأحداث، أما أن تظل المعطيات والأسباب كما هي وتتغير رؤيتنا ومواقفنا فهو أمر ينافي المنطق، وها أنا أعمد إلى الكتابة للإيضاح والتأكيد، وذلك لأن الناشط الاجتماعي أسعد الشرعي من اليمن التي نُحب والتي تحبنا قد ظهر بشخصية مختلفة مما اعتدنا عليه وبأسلوب مختلف ليتحدث عن مسألة تهريب الأسلحة إلى اليمن عبر سلطنة عمان، ولست أدري ما الذي دفعه للحديث الآن عن هذا الأمر رغم أنها مسألة أشبعت بحثا جغرافيا وسياسيا واجتماعيا وإنسانيا، صحيح أنه بدأ بسلسلة من جمل الحب لعمان وأهلها وقيادتها، وصحيح أنه قد بين ظنه الخاطئ في أول الأمر عن الحياد العماني وكيف اقتنع في آخرة الأمر أن شخصية السلطنة متفردة في العالم، وأن أطراف الحرب تجرح وعمان هي التي تداوي، الآخر يشرد وعمان تظل الملجأ والمنجا، لكن من الواضح أيضا أنه قد وقع في شرك التناقض أو التأثر أو عدم الرؤية لسبب أو لآخر، أسلوب الحديث أصبح أقل حدة بل ناعما أثناء الحديث عن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، قاموس المفردات المستخدم اختلف كليا، أصبح أقل حماسا أثناء الحديث، لم يبق من الضحك المعتاد عليه أثناء الظهور سوى ابتسامة خجولة، وقد يعود هذا الأمر إلى أن عُمان تُلزم الآخرين بوقار ومستوى من الطرح لا يمكن أن يتدنى هذا عند إخوتنا في الإنسانية التي تحركهم أصالة منبتهم وأحسب أن الأخ أسعد الشرعي من بين هؤلاء.
ما حرك حفيظة الشرعي هو تقرير الأمم المتحدة لعام 2020 الذي ذكر بشكل أو بآخر تهريب الأسلحة إلى الحوثيين عبر السلطنة، مؤمنا أن القيادة العمانية لا علم لها بذلك، ومنزها لها، ومُشككا أنها قد تكون لعبة الصغار من الموظفين، راجيا أن يرى ردا رسميا يناهض ما جاء في هذا التقرير، لكن هذه اللعبة وأعني لعبة التقارير هي ما يمكن أن تكون لبعض المنتفعين منها، ليس في هذه القضية فقط بل في جوانب كثيرة أيضا، وأما الرد الرسمي الذي حلم به الشرعي فهذا يكون للمريب الذي يكاد يقول خذوني ويحاول أن يدرأ التهم عن نفسه فتكثر ردوده وبياناته، أما عمان فمن عادتها عدم التكرار وعدم الالتفات للوراء، فهل يا ترى غاب عن الشرعي تصريح معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية حينها، عبر شاشة BBC تحديدا برنامج “بلا قيود”، بأن هذه المسألة لم تطرح مطلقا في اجتماعات دول مجلس التعاون، وبأن الحكومة العمانية تحدثت عن هذا الأمر مع المملكة العربية السعودية والأمريكان والبريطانيين وتم التأكيد على عدم صحة هذه المسألة، إضافة إلى تصريحاته عبر صحيفة عكاظ السعودية، وصحيفة الرؤية العمانية التي أكد من خلالها عدم السماح بتهريب الأسلحة للحوثيين وعدم مداهنة إيران، فأي تصريح رسمي يبحث عنه الشرعي أكثر من ذلك.
لقد آمنت السلطنة منذ البدء بمبدأ الحوار، والسلام القوي ، كما آمنت أن دوافع الأخوة والجيرة والإنسانية لا تحتاج إلى الماكينات الإعلامية فإنها تقدم على الأمر لإيمانها بالواجب فقط، ودعمها لاستقرار اليمن لا يعني بأي حال من الأحوال ضرورة القتال وتلطيخ الأيدي بدماء الأبرياء، عمان منطقة السلام التي يحلم البعض أن تكون أول المتضررين وآخر من يسلم من نتائج وويلات ما تمر به المنطقة، لكن من يدافع عن الحق بعيدا عن أي بهرج إعلامي لا يمكن أن ينصر الباطل في النور، ومن يستقبل الجرحى ويكون ملجأ لكل لائذ دون كاميرات تلاحقه لا يمكن أن يطعن في الظهر، فعلى أسعد الشرعي أن يبقى على إيمانه ومعرفته بعمان كما كانت فذلك خير له، فلا ينزل الحق عن مستواه مقدار إصبع إلا خرج عن صفته، والبيانات الفارغة والمكررة تنم عن اهتزاز مواقف، وفي عمان كل شيء ثابت ولا معنى للمطالبة ببيان ورد رسمي لقضية سابقة تم الحديث عنها وجاء فيها أكثر من رد وعبر منافذ إعلامية متعددة. إن عمان التي عرفناها هي التي نعيشها وسنعيشها، أما أمواه المتغيرات فهي قادرة على أن تزيل الأقنعة المؤقتة والدهانات الزائفة فقط.