كثيرًا ما تحدّث الناس عن الحرب العالمية الثالثة، وكم من السيناريوهات التي وضعها المحلّلون حول هذه الحرب وكم خطّت أقلام وصوّرت أفلام فضاعة هذه الحرب وشراستها. ولا يزال الكثيرون يترّقبونها و يتنبّأون بتوقيتها ، في حين أنها الآن مستعرة و تدور معاركها الضارية ليل نهار أمام أعينهم و هم عنها ساهون.
الحرب العالمية الثالثة أشعلها وباء كوفيد-١٩ و قد أزهقت حتى الآن ما يقرب من ٣ ملايين روح و يبلغ عدد المصابين حتى حينه ١٣٦،٢٩١ مليون مصاب ، في حين خسر الاقتصاد العالمي ٣،٩٤ ترليون دولار ، و المعركة الأكبر تدور حاليا في ميدان اللقاحات.
ولاقى المؤتمر الصحفي الذي عقدته اللجنة العليا المكلفة بالتعامل مع إجراءات فيروس كوفيد – ١٩ بتاريخ ١٤-٤-٢٠٢١ التقدير من المواطنين على الجهود المبذولة ، لكن أصبح واضحًا أن هناك صعوبات وعراقيل معقّدة تعتري تحصيل اللقاحات ، و هي ترس الدفاع الأنجع أمام الزحف الهائل لجحافل كورونا. ورغم الجهود المخلصة لكن يتضح أنه حتى الوعود التي تقطعها الشركات المنتجة على نفسها يتم نقضها ولم يعد للعهد قيمة ولا للكلمة وزن ، و النتيجة استمرار الوفيات وتزايد الضغوط على المنظومة الصحية و التأثيرات الاقتصادية و الاجتماعية.
وللأسف دخل المجتمع في بلبلة المقارنات مع الإجراءات بالدول الأخرى وكيف يتم التطعيم هنا وهناك و ظهرت جداول مقارنة تصف دولا أنها في أعلى القائمة و أخريات بأنها في أدنى الجدول من حيث التصدّي للوباء، و تتزايد التأثيرات النفسية يوميا حيث القلق مما هو آت مع تواتر التحذيرات بأن القادم قد يكون أصعب.
لا تلام وزارة الصحة فيما تلاقيه من الصدود و نكص الوعود في مساعيها لاستيراد اللقاح الموعود ، فميدان اللقاحات ليس ميدانا طبيا بل حقلا حربيا ، و بالتالي يتطلب توظيف تكتيكات قتالية و يحتاج إلى كتائب هجومية تخطط بإستراتيجيات حربية للوصول إلى أهدافها. ويأتي هنا في المقام الأول ليس بريق الدولار بل قوة التفاوض مع الجهات المعنية وأدوات التأثير وفن الإقناع وطرق الاستمالة وأسلوب المساومة ، إنه ما يعرف بـ Lobbying ، ولهذا المجال جنوده. و قد نصبح أكثر اقتناعًا فيما أدركنا أن القوى المتحكمة في اللقاحات ليست الشركات المصّنعة أو الجهات الرسمية بتلك الدول بل القوى المؤثرة ولوبيات صنع القرار في منظومة الصناعات الدوائية العالمية وهذه إمبراطوريات فوق مستوى الدول والحكومات.
الدول مثل دولنا ستبقى دائمًا ضعيفة أمام هذه المعادلات الصعبة ، وبالتالي فإن المخرج الممكن والأكثر فاعلية لنا بهذه الأزمة وما قد يأتي بعدها هو أن نقوم بحملة استنفار حثيثة في أوساط مجلس التعاون لدول الخليج العربية بحيث تثب دول المجلس بالمسارعة لإنشاء مصنع حديث ضخم للقاحات و تحصل على تراخيص التصنيع ككتلة واحدة و تضّخ للمشروع تمويلات مشتركة و يُجلب له علماء و خبراء و فنيون من كل دول الخليج ، و بالتدريج يتطوّر إلى تجمع طبي و صيدلي خليجي عملاق.
على دول الخليج أن تعي أن مشروعا كهذه سينال الإكبار والإشادة من كل الشعوب الخليجية و سوف يعيد لمجلس التعاون الخليجي الروح و سيجري في عروقه دماء الأخوة و المحبة، ليكن أحد بركات هذا الشهر الفضيل.
تحفّكم جميعا بركاته وتغمركم أنواره.
“وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا”