تاريخ عمان

اقترض 12 ريالا عُمانيا..وبعدها أصبح أسطورة عُمانية في أفريقيا

اقترض 12 ريالا عُمانيا..وبعدها أصبح أسطورة عُمانية في أفريقيا
اقترض 12 ريالا عُمانيا..وبعدها أصبح أسطورة عُمانية في أفريقيا اقترض 12 ريالا عُمانيا..وبعدها أصبح أسطورة عُمانية في أفريقيا

أثير – تاريخ عُمان

تيبو تيب حمد بن محمد بن جمعة المرجبي الذي اقتربت شهرته من الأسطورة التي سارت واخترقت سيرتها حدود القارات واللغات والثقافات.

ولد تيبو تيب في قرية كورارا في زنجبار عام 1840م، وبها تلقى تعليمه الديني، وقد بدأ في التجارة في فترة مبكرة من حياته لم يتعد فيها الثانية عشرة من عمره، واقترض لذلك اثني عشر ريالا اشترى بها ملحا وسافر به إلى دار السلام وإلى المناطق المجاورة، ثم ما لبثت مهاراته التجارية أن نشطت وأخذ يقوم بتجارته الخاصة مخضعا الزعماء الأفارقة لسطوته مكونا جيشا من الحمالين المسلحين.

لقد كان تيبو تيب أحد أشهر تجار العاج ومختلف البضائع في أفريقيا، وكان كذلك من أهم الأشخاص الذين يوفرون العمالة المدفوعة الأجر للشركات الأوروبية المشتغلة بإنشاء البنى الأساسية في القارة الأفريقية، كما كان من أهم الشخصيات التي ساندت حركة الاكتشافات الجغرافية حتى أن كثيرا من المستكشفين الأوروبيين للقارة الأفريقية نعموا بالحماية التي وفرها تيبو تيب لهم وأثبتوا ذلك في وثائقهم ومراسلاتهم للجمعيات التي ينتمون لها.

وتوفرت لهذه الشخصية الأسطورية عوامل عديدة صنعت رواجها وشهرتها ولعل من أهمها العامل التاريخي، لأن العصر الذي عاش فيه هو العصر الحقيقي لعصر الكشوفات الجغرافية الحديثة والتي كانت في شرقي أفريقيا تحاول جاهدة الوصول إلى موقع مصاب النيل والكشف عن الكثير من أسرار القارة السمراء.

حيث أسهم تيبو تيب بشكل كبير ولا يختلف عليه أحد في تذليل كل الطرق الموصلة إلى منابع مصاب النيل الذي كان يعلم طريقها وأرشد المستكشفين الجغرافيين إليها من أمثال سبيك، ولفنجستون، وكاميرون، وويسمان، وستانلي وغيرهم، ولذلك فإننا نلاحظ نشاطا كبيرا في حركة الكشوفات الجغرافية في القرن التاسع عشر ولولا جهود الجند المجهولين من العرب العمانيين كتيبو تيب لما تمكن كل هؤلاء الرحالة من بلوغ هدفهم واكتشاف مصاب النيل في قلب أفريقيا مثلما حدث مع لفنجستون وستانلي حينما تمكنا من الوصول إلى الطرف الشمالي لبحيرة تنجانيقا بواسطة رجال تيبو تيب وحمايتهم.

وحينما نعود إلى الكاريزما التي كانت تميز تيبو تيب حمد بن محمد المرجبي نجد أن سمات القيادة برزت في شخصيته وهو صبيا لا يتجاوز عمره الثانية عشرة، فقد رفض في هذا العمر أن يشارك في مهمة تجارية لوالده بسبب رفضه التام من أن يتبع في تجارتهم شخص آخر أوكلت له المهمة للإشراف على هذه القافلة بسبب شغفه بالقيادة وروح المغامرة وتحمل المسؤولية.

وفي فترة لاحقة من حياته ترسخ نفوذ تيبو تيب بقوته وشجاعته في البر الأفريقي وبدأ بالقضاء على السلاطين الزنوج والتحكم المطلق بهم وذلك بغرض توطيد تجارته بالسيطرة المطلقة على تجارة العاج وتأمين طرق تلك التجارة ونذكر هنا قصة صراعه مع زعيم زنجي عرف ببطشه وغدره وهو السامو الذي قتل الكثير من العرب بعدما غدر بهم في مجلسه، وقد نصح الكثير من العمانيين ومنهم عامر بن سعيد الشقصي تيبو تيب بعدم المجازفة والإقدام على الذهاب للسامو لأنه تعرض هو وأصحابه من العمانيين من أمثال محمد بن صالح النبهاني ، وحبيب بن حمد المعمري للغدر والنهب وقتل منهم الكثير، لكن تيبو تيب لم يكترث وقرر القضاء على السامو فذهب إلى قريته وهناك التقى بداية بالسامو وهو يحمل إليه الهدايا ولكن حينما توجس تيبو تيب الخيانة رجع إلى مخيمه على حدود القرية سريعا بعدما أجزل الهدايا والعطاء للسامو مقابل أن يحصل على عدد من العاج الذي كان يمثل الثروة العظيمة للسامو، وحينما رجع تيبو تيب للمخيم هجم عليهم السامو في صباح اليوم الثاني فتقدم تيبو تيب مجموعته لصد رجال السامو ومعه أصحابه وأصيب بسهم مباشر في جسده ومات اثنين من أتباعه ، وفي هذه الأثناء صد تيبو تيب وأصحابه  رجال السامو بإطلاق النيران عليهم عن طريق البنادق التي يملكونها ومات جمع كبير من رجال السامو وبعد معارك طويلة خاضها تيبو تيب ضد السامو تجاوزت قرابة الشهرين استسلم السامو وأذعن لسلطة حمد بن محمد المرجبي الذي سيطر على تجارة العاج بدون أي منازع وانتشر صيت تيبو تيب ( صوت إطلاق البندقية) في كل الأرجاء لتنحني له الكثير من الرؤوس وتترسخ له أسطورة الزعيم العماني الذي لا يقهر ولذلك لقبه الأفارقة كذلك بـ مكانجوانزارا أي بمعنى الذي لا يخاف أحد ولا يخشى الحرب.

أما الأوربيون وهم المستفيد الأول من تيبو تيب في التعرف على مجاهل أفريقيا ودراستها دراسة علمية أولا، ثم في تثبيت وجودهم السياسي ثانيا، فقد كانوا مأسورين بشخصيته وقيادته، فقد كان يمثل لهم مثالا ممتازا للنبيل العربي الذي يظهر رقيا متميزا في مظهره وتصرفاته، فقد قال عنه الرحالة ستانلي:

” ملابسه ناصعة البياض وعمامته جديدة وحول وسطه حزام مرصع وفيه خنجر من فضه ومظهره العام دل على إنه السيد العربي الذي يعيش في رغد من العيش”.

وقال عنه وايتلي وهو أحد المهتمين بدراسة اللغة السواحلية:

” كان تيبو تيب رجلا مشهورا وله دور بارز في توسيع التجارة العربية في تانجانيقا والكونجو الأمر الذي يمنحه أهمية تاريخية، كما تمثل سيرته أهم سيرة ذاتية عرفت في اللغة السواحلية.

كل ذلك لم يمنع الأوروبيين من استغلال قوة تيبو تيب في تحقيق مآربهم الاستعمارية كستانلي الذي طلب منه أن يساعده في تأسيس الوجود البلجيكي في قلب القارة الأفريقية أو لما سيسمى فيما بعد دولة الكونغو الحرة والتابعة للملك البلجيكي، فأفريقيا في تلك الأثناء كانت البلاد الخصبة للأطماع الاستعمارية الأوروبية لتوفير أسواق جديدة لصناعاتهم وتوفير المواد الخام التي تحتاجها آلات الإنتاج نتيجة الثورة الصناعية الكبرى التي اجتاحت أوروبا في ظل ضعف النفوذ السياسي العربي العماني في شرقي أفريقيا وخاصة بعد انقسام الإمبراطورية العمانية بين أبناء السيد سعيد بن سلطان.

في آخر حياته أصيب تيبو تيب بمرض الاستسقاء الذي منعه من تحقيق أمنيتين له كان يصرح بهما دائما وهما أداء فريضة الحج، والسفر إلى أوروبا، وينقل لنا اللمكي اللحظات الأخيرة من حياة هذا الأسطورة:

” .. ولكن صحته بقيت ضعيفة فاشتد به الألم حتى كانت الساعة الخامسة من ليلة الأربعاء عاشر من ربيع الأول (14 يونيو) قبضه الله إليه، وما أن شاع الخبر حتى توافدت الجموع إلى منزله وفي مقدمتهم قنصل جنرال أمريكا أوفيس، وتتابعت الجموع وسار في جنازته أناس كثيرون، وفي الصباح جاء قنصل جنرال الإنكليز وقنصل الألمان وغيرهما من معتمدي الدول والتجار الأجانب وأعيان العرب والهنود والأفارقة لتعزية أهله، ونقل البرق خبر وفاته إلى العالم المتمدن فأتت جرائده مملوءة بالكلام عن سيرته”.

وقد نعاه القنصل الألماني برود قائلا:

” توفي تيبو تيب في زنجبار بالملاريا في 13 يونيو عام (1905) ومات وايزمان في اليوم التالي، أما ستانلي مات قبلهما بعام واحد، وعليه ففي فترة قصيرة من الزمن طوى الموت ثلاثة من أبرز الرجال العارفين بأسرار القارة المظلمة”.

عاش تيبو تيب حياة مليئة بالمغامرة والتحدي والارتحال، وقد عاش انتصارات وهزائم مخلفا في كل مكان يحل به إما أصدقاء يذكرونه وإما أعداء يتربصون به، ومهما يكن من أمر تيبو تيب فهو بلا شك يعد حلقة جدا مهمة من حلقات الوجود العماني في شرق أفريقيا.

*المرجع: مغامر عماني في أدغال إفريقيا – حياة حمد بن محمد بن جمعة المرجبي (1840-1905) المعروف بتيبو تيب، ترجمة د. محمد المحروقي ، سيرة ذاتية ، منشورات الجمل كولونيا ( ألمانيا) – بغداد 2006م.

Your Page Title