بقلم د. نسيمة محمد المشيخية- مشرفة أولى في وزارة التربية والتعليم
نِعم الله على الخلق كثيرة لا تعد ولا تحصى، وأعظم النعم بعد الإيمان بالله عز وجل نعمة الأمن فلا يطيب طعام ولا يُنتفع بنعمة رزق إذا فُقد الأمن، لذلك قدمت نعمة الأمن على نعمة الرزق في الآية الكريمة { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } سورة البقرة الآية 126
يُعرف الأمن الإنساني على أنه مُمارسة الناس لخياراتهم بكل حرية وسلامة، والاستجابة إلى حاجاتهم الأساسية والضرورية من (عمل، وسكن، وتغذية، وتعليم، وصحة) والتي تُمكنهم من البقاء والعيش بكرامة، وتحررهم من العوز والفقر، وتوفر لهم الأمن والسلامة وتخلصهم من مُختلف مصادر الخوف، وتحافظ على حقوقهم بالمشاركة في التنمية من أجل الحصول على مستوى معيشي كريم.
فأمن الإنسان من الخوف يُعدّ من الحقوق المدنية والسياسية، وأمنه من الحاجة والفقر، ومن القهر والعنف، والتهميش والحرمان، وعدم التمكين الاجتماعي حق من حقوقه الاقتصادية والاجتماعية فإذا تحقق الأمن وفق هذا المفهوم الشامل تحقق الأمان وهو الشعور بالطمأنينة والراحة والعكس صحيح.
والمتتبع للشأن العماني يجد أنّ السلطنة اهتمت بشكل كبير بحقوق الإنسان وهذا يتسق مع منهجها الذي تستمده من الشريعة الإسلامية، ومن صميم رؤيتها التي تعتمد على ترسيخ قيم العدالة والمساواة والنزاهة، ومنذ أشرقت شمس مسيرة النهضة المباركة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – طيب الله ثراه – أيقن جلالته بحقيقة أن تحقيق التنمية المستدامة والتقدم والرخاء ، يتطلب توفير قاعدة أساسية وراسخة من الأمن والأمان على امتداد هذه الأرض الطيبة، وما تعيشه عمان الآن وعلى مدى السنوات والعقود الماضية؛ وطنا ومجتمعا ومواطنا ، يجسد نموذجا للنجاح الكبير في بناء المجتمع الآمن، والمتماسك والمتضامن والقادر على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فالمواطن العماني بما يميزه من أخلاق وقيم وعزم ومثابرة وإصرار على تحقيق الأهداف شكّل في الواقع (كلمة السر) لتحقيق ذلك النجاح، فاهتمام السلطنة بفئة الشباب باعتبارهم ( ثروة وطنية ) يتصدر قائمة الأولويات، وذلك ترسيخا لمبدأ أن الشباب هو المحرك الأساسي لعجلة التنمية والدافع الأكبر لنموها وتقدمها، فجاء خطاب جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ليكمل مسيرة التنمية وعلى خطى النهضة المباركة في التأكيد على أهمية هذه الفئة بقوله -حفظه الله ورعاه – ” إن الشباب هم ثروة الأمم وموردها الذي لا ينضب وسواعدها التي تبني، هم حاضر الأمة ومستقبلها وسوف نحرص على الاستماع لهم وتلمس احتياجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم ولا شك أنها ستجد العناية التي تستحق”
فنحن اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى في ظل ما يشهده العالم من تخبّط سياسي واقتصادي وثقافي إلى مواصلة البناء لا الاكتفاء، فلدى شبابنا القدرة والطموح والدافع الأكبر للنمو والتقدم ما سمحت لهم الفرصة بذلك، نتحدث عن آمال كبيرة لصناعة مستقبل أكثر إشراقا والذي لا يتحقق الا بالشراكة وتمكين هؤلاء الشباب (عماد الوطن) وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن آرائهم استجابةً لكل مُقتضيات الحرية والكرامة الإنسانية باعتبارها ضروريات لتحقيق الديمقراطية وإعادة البناء.
فهم السواعد التي تبني هذا الوطن وهم ثروتها والتي تعقد عليها الآمال والطموح، فإقبال الشباب العماني المستمر في مؤسسات العلم، والارتقاء بمعارفهم يؤكد حماسهم للإسهام في البناء التنمية، وإصرارهم على الانخراط في العمل وفي صنع القرارات وإبداء الآراء يؤكد رغبتهم الصادقة في تطوير البلاد والتي بلا شك ستسهم في تحقيق رؤية مشتركة يمكن أن تسهم في تسارع العجلة التنموية كونهم أفرادا في منظومة إنسانية تُسمّى دولة لهم دور في إقامتها، دولة ينتمون لها قبل أن تنتمي لهم بحق الولادة والنشأة والجنسية والتاريخ والسلالة ، فلابد من منحهم الفرص للمشاركة في إنتاج وخدمة أنشطة المجتمع الإنساني والتي من شأنها أن تؤمّن الفرد ماديا واقتصاديا وتوفر له متطلبات مستوى معيشي لائق، ولابد من تمكينهم و تشجيعهم وتوجيه طاقاتهم الأساسية لينطلقوا بقوة للرقي بهذا الوطن ورفعة اسمه عاليًا.
فحتى نحقق المفهوم الشامل لمنظومة الأمن والأمان لابد أن نثق بقدرات ومهارات وتطلعات شبابنا التي ستدفع عجلة التنمية والابتكار، وستنوّع الاقتصاد، وستسهم في جعل عمان في مصاف الدول المتقدمة.
اللهم احفظ هذا البلد واجعله آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين