أثير- المحامي صلاح بن خليفة المقبالي
يمتلك الادعاء العام حيال الدعوى العمومية سلطات واسعة للتحقيق في فيها، ومن الواجب على عضو الادعاء العام عند الانتهاء من التحقيق، أن يصدر قرارًا بالتصرف في التحقيق؛ إما بإحالة المتهم إلى المحكمة المختصة كما نصت المادة 129 من قانون الإجراءات الجزائية، أو بحفظ التحقيق مؤقتًا أو نهائيا كما نصت المادة 121 من القانون سالف الذكر.
وفي هذه الزاوية القانونية عبر (أثير) سنتحدث عن قرار الحفظ وأسبابه بالإضافة إلى الآثار المترتبة عليه.
حفظ التحقيق:- هو الوجه المقابل لقرار الادعاء بالإحالة إلى المحكمة المختص، وهو قرار قضائي يصدره الادعاء العام يقدّر بمقتضاه عدم السير في الدعوى الجزائية بعد الانتهاء من التحقيق الابتدائي، وذلك بناء على أحد الأسباب التي حصرها القانون في المادة (121).
للادعاء العام أن يحفظ التحقيق عند توافر أسبابه ، وهذه الأسباب وردت على سبيل الحصر، فقد نصت المادة (121) من قانون الإجراءات الجزائية على أنه ” للادعاء العام بعد انتهاء التحقيق الابتدائي أن يصدر قرارا بحفظ التحقيق مؤقتا أو نهائيا ويأمر بالإفراج عن المتهم ما لم يكن مسجونا لسبب آخر، ويكون قرار الحفظ مؤقتا إذا كان المتهم مجهولا أو كانت الأدلة غير كافية، ونهائيا متى كانت الوقائع المنسوبة إلى المتهم غير صحيحة أو لا يعاقب عليها القانون. ونصت المادة (125) من القانون ذاته على أنه ” للمدعي العام أن يصدر قرارا بحفظ التحقيق نهائيا رغم وجود جريمة وكفاية أدلتها إذا وجد في عدم أهمية الجريمة أو في ظروفها ما يبرر ذلك ما لم يوجد مدعٍ بالحق المدني ” .
ونستخلص من المادتين السابقتين أن أسباب الحفظ نوعان:
1- أسباب موضوعية (واقعية) تتمثل في:
-عدم معرفة الفاعل: قد ترفع شكوى ضد مجهول، لكن بعد التحري والبحث عن الجاني لا يتم العثور عليه، فلا يستطيع الادعاء العام أن يتهم أحدًا فيصدر أمرًا بحفظ الدعوی. وهذا يعد قرارًا مؤقتًا وليس نهائيًا وذلك بنص المادة (121) من قانون الإجراءات الجزائية.
ونستخلص من المادتين السابقتين أن أسباب الحفظ نوعان
-عدم كفاية الدليل: قد يكون الفاعل معروفا لكن لا يوجد دليل قاطع ضده، لذلك يأمر الادعاء بحفظ الدعوى. ويجب لصدور مثل هذا القرار أن تكون أدلة البراءة قد ترجحت على أدلة الإدانة فلا يكفِ مجرد الشك في ثبوت التهمة، حيث إن قاعدة الشك تفسر لصالح المتهم هي من القواعد التي تراعى في المحكمة أمام قاضي الموضوع ، ولا تراعى عند الاتهام بمعرفة الادعاء العام .
-عدم صحة الوقائع: إذا كانت الجريمة المنسوبة للمتهم غير صحيحة ولم تقع أصلا كأن اختلقها الضحية قصد الإساءة مثلا بلاغ كاذب، فعلى الادعاء أن يصدر أمرًا بحفظ الدعوى لعدم الصحة.
-عدم الأهمية: إن للمدعي العام دون غيره من أعضاء الادعاء العام في الواقعة بعد الانتهاء من التحقيق فيها، وتكون ثابتة قبل المتهم، لكنها قليلة الأهمية أو أنها تافهة بالمقارنة بالعقوبة المقررة لها، أو أن المتهم قد عانَى الكثير في التحقيق أو الحبس الاحتياطي، وقد تصالح مع المدعي بالحق المدني، أن يصدر قرارًا بحفظ التحقيق لعدم الأهمية، فبموجب نص المادة (125) من قانون الإجراءات الجزائية فإن قرار الحفظ لعدم الأهمية يصدر بقرار من المدعي العام فقط، ويكون هذا القرار نهائيًا، بشرط عدم وجود مدعٍ بالحق المدني .
إن حفظ الدعوى العمومية لسبب موضوعي يسمح بالعودة إلى التحقيق الابتدائي متى ما ظهرت أدلة جديدة؛ ذلك لأن هذا الحفظ يصدر أصلا حاملا في طياته العودة إلى التحقيق، وذلك للتحقيق في العناصر الجديدة استكمالا للدعوى العمومية، وهذا فيما عدا الحفظ لعدم الأهمية والحفظ لعدم صحة الوقائع فإنهما يحفظان نهائيًا.
2- أسباب قانونية: أوردها المشرع وهي الوقائع التي لا يعاقب عليها القانون، وتشمل جميع الأسباب التي لا يمكن فيها توقيع العقوبة على المتهم، بعضها وردت في قانون الجزاء، وأخرى وردت في قانون الإجراءات الجزائية، والأسباب التي وردت في قانون الجزاء تشمل الحالات الآتية:
– إذا كانت الواقعة لا تخضع لنص تجريم: إذا تبين للادعاء العام انتفاء أحد أركان الجريمة أو انعدام النص التشريعي لتجريم الواقعة ، فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.
– أو كان يسري عليها سبب إباحة ( سبب تبرير ): أسباب التبرير هي الأحوال التي يرتب القانون على توافرها تعطيل نص التجريم في تطبيقه على فعل يخضع له بحسب الأصل، فتحول دون اكتساب الفعل صفة الجريمة وتجعله في حكم الفعل المباح الذي لم يرد نص بتجريمه. وأسباب التبرير كما جاءت في قانون الجزاء هي الدفاع الشرعي واستعمال الحق وأداء الواجب والترخيص.
– أو كان المتهم مستفيدًا من مانع مسؤولية أو مانع عقاب: موانع المسؤولية هي صغر السن وجنون المتهم والسكر الاضطراري وحالة الضرورة والإكراه والتي نص عليها المشرع العماني في الفصل الرابع من الباب الخامس من قانون الجزاء. أما في حالة مانع العقاب نكون بصدد فعل مجرم لكن القانون وضع شروطًا لمنع العقاب؛ فمن تتوافر فيه حالة من حالات موانع العقاب يتم حفظ الدعوى الموجهة ضده .
أما الأسباب التي وردت في قانون الإجراءات الجزائية فتشمل حالات انتفاء أحد شروط قبول الدعوى، وهي حالات انقضاء الدعوى العمومية والتي وردت بالمادة (15) من قانون الإجراءات الجزائية والتي تتمثل في وفاة المتهم أو العفو عن الجريمة أو مضي المدة أو التنازل عن الشكوى أو الطلب أو الحكم فيها نهائيًا أو بإلغاء النص العقابي. بالإضافة لما نصت عليه المادة (٥) من ذات القانون بعدم جواز رفع الدعوى العمومية في الحالات التالية:
( أ ) عدم وجود شكوى أو طلب أو إذن .
(ب) رفع الشكوى أو الطلب أو الإذن من غير ذي صفة بإصداره .
(ج) رفع الشكوى بعد مضي المدة المحددة لتقديم الشكوى.
آثار قرار الحفظ :
بعد إعلان قرار الحفظ، يحق للمجني عليه وللمدعي بالحق المدني أو ورثتهما التظلم من قرار حفظ التحقيق خلال عشرة أيام من تاريخ إعلانه. وبالتالي فمن الممكن إذا رأت محكمة الجنايات أو محكمة الجنح المستأنفة إلغاء قرار الحفظ أن تعيد القضية إلى الادعاء العام، كما يمكن للمدعي العام أو من يقوم مقامه أن يلغي قرار الحفظ خلال الثلاثة أشهر التالية لصدوره ما لم يكن قد سبق التظلم منه. فإذا لم يُلغَ القرار في هاتين الحالتين فيصبح نهائيا وتترتب عليه عدة آثار.
آثار قرار الحفظ
من أهم الآثار التي تترتب على قرار حفظ الدعوى النهائي، إنه يكسب المتهم حقا في ألا تعود سلطة التحقيق إلى الدعوى، وذلك في حالة ما إذا كان قرار الحفظ نهائيا؛ فقرار الحفظ بمجرد صدوره يكتسب الحجية التي تمنع العودة إلى الدعوى الجنائية طالما ظل قائما ولم يُلغ، وله في نطاق حجيته المؤقتة ما للأحكام من قوة الأمر المقضي به، ولذلك إذا رفعت الدعوى العمومية رغم صدور قرار بحفظها نهائيا تعين الحكم بعدم قبولها حتى ولو رفعت تحت وصف جديد، ويشترط للتمسك بحجية قرار الحفظ توافر ثلاثة شروط هي :
1. وحدة الواقعة. 2. وحدة الأطراف. 3. وحدة الموضوع.
وتجدر الإشارة إلى حالة ما إذا كان قرار الحفظ مؤقتا لعدم كفاية الدليل فيمكن العودة إلى التحقيق، وذلك في حالة ظهرت أدلة جديدة قبل انتهاء المدة المقررة لانقضاء الدعوى العمومية. ويعد من الأدلة الجديدة شهادة الشهود والمحاضر والأوراق الأخرى التي لم تعرض على عضو الادعاء العام.