د.شريفة بنت عبدالله بن علي اليافعية – مديرة مساعدة بالمديرية العامة للتربية والتعليم
يسعى الفرد دومًا إلى تطوير ذاته، من خلال الطرق والوسائل المختلفة التي تساعده على اكتساب المعارف والكفايات والمهارات.
وللوهلة الأولى يظن القارئ أن الكفايات مرادفة للمهارات والمعارف، لكنها ليست كذلك، فلكل مصطلح دلالة معينة، فالمعارف ترتبط بالجانب المعرفي للفرد وهي مجموعة المعلومات والحقائق والبيانات، والتي قد تكون أساسًا لبناء الكفايات والمهارات، وتمثل الكفاية الحد الأدنى من اكتساب الفرد للمهارة، بينما تمثل المهارة الحد الأعلى من اكتساب الفرد للمهارة المطلوبة.
ومع استمرارية تطوير الفرد لذاته واكتسابه للعديد من المعارف والكفايات والمهارات يصبح ذا كفاءة عالية في مجال ما، حيث يبدأ تكونها منذ المراحل الأولى لتربية الفرد في الأسرة، ليستكمل ارتقاءه بهذه المهارات في مراحل التعليم المدرسي والجامعي، ويأتي بعد ذلك دور مؤسسات العمل في رفع كفايات الموظفين وصقل مهاراتهم من خلال إلحاقهم بالدورات التدريبية وورش العمل والمؤتمرات، إضافة إلى دور الموظف نفسه في تطوير أدائه ذاتيًا، ويصبح لدى المؤسسة مجموعة من الكفاءات البشرية التي يعتمد عليها في إدارة العمل وتحقيق أهداف المؤسسة والإبداع والتميز والتنافسية.
وتتضمن كل مؤسسة هيكلا وتقسيمات إدارية عديدة ومختلفة، تمثل فرصًا لهذه الكفاءات للارتقاء في السلم الوظيفي، لإتاحة المجال لها في تقلد زمام الأمور والاستفادة من خبراتها ومهاراتها في تحقيق التنمية المستدامة للمؤسسات والمجتمعات، إلا أن واقع بعض المؤسسات يعكس بعض حالات الانحراف في المسارات الوظيفية لتك الكفاءات، فمثلاً قد تجد موظفا ذا كفاءة فنية عالية في مجال التقنيات والبرمجيات تقوم المؤسسة بتوجيه مساره العملي إلى وظيفة إدارية مكتبية بحتة، وموظفا آخر ذا كفاءة إدارية عالية توكل إليه مسؤوليات إدارة قطاعات مالية أو فنية دقيقة لا تتناسب مع كفاءاته الإدارية، وموظف ذا كفاءات محدودة تسند إليه مسؤوليات إدارة من هم أعلى منه كفاءة في العمل، والأمثلة في ذلك كثيرة بين موظف ومسؤول، وكل ذلك يسبب هدرًا لهذه الكفاءات وعدم الاستفادة منها وتوجيهها بالشكل الصحيح، ليتسبب بعضها في عدم تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة مما يؤثر على تطورها.
هذه الانحرافات في مسارات العمل ينتج عنها هدر للكفاءات، وهدر لوقت المؤسسة ومواردها المالية والبشرية، إضافة إلى ما ينتج عنها من إحباط للموظف الكفؤ الذي لا يجد لنفسه مسارا يتناسب مع قدراته ومهاراته التي أفنى جزءا من عمره في اكتسابها وصقلها مما يؤدي إلىإاحجامه عن تقديم المزيد للمؤسسة، كما يؤدي هذا الهدر إلى هجرة العقول البشرية إلى خارج المؤسسة بحثًا عن تحقيق ذواتها في مؤسسات أخرى تقدر الكفاءات وتحتضنها.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كان يوكل المهام للصحابة حسب كفاءتهم وقدراتهم رغم صغر سن بعضهم، وختامًا فالنجاح في تحقيق الرؤى والاستراتيجيات والإبداع والتميز والميزة التنافسية في مجتمعاتنا مرهونٌ بتحقيق أقصى درجات الاستفادة من الكفاءات والطاقات والعقول البشرية، وتوجيهها في مساراتها الصحيحة مع إتاحة الفرص لها بما يتناسب مع قدراتها ومهاراتها.