د. رجب بن علي العويسي- خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة
مع قرار اللجنة العليا المكلفة ببحث الية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، باعتماد الإطار العام لتشغيل المدارس في السلطنة للعام الدراسي 2021/ 2022 وفق الآلية التي تعلن عنها وزارة التربية والتعليم، مع الالتزام بتطبيق كافة الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية الواردة في البروتوكول الصحي بما يحفظ سلامة الطلبة والطالبات وأعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية ، وتقييم ذلك وفق مستجدات الوضع الوبائي في السلطنة، وبيان وزارة التربية والتعليم بشأن تشغيل المدارس للعام الدراسي 2021/ 2022 وإقرار العودة للمدارس بتاريخ 12/9/ 2021 للهيئات التدريسية والإدارية والإشرافية، وبتاريخ 19/ 9/ للطلبة والطالبات في جميع الصفوف الدراسية ،تتوزع خلالها المدارس وفق المستويات الثلاثة المطروحة في بيان وزارة التربية والتعليم المعلن بتاريخ 19/ أغسطس/ 2021، بشأن تشغيل المدارس في العام الدراسي 2021/ 2022 .

ومع عدم الدخول في تفاصيل هذا الحدث التعليمي، والتكهنات حول استمرارية هذا التوجه في ظل ضبابية العمل العالمي الموجه نحو كورونا، وعدم صدور بيان ختامي من منظمة الصحة العالمية بانتهاء الجائحة، خاصة في ظل بدء انتشار موجات أخرى في بعض بلدان المنطقة والعالم، إلا أن المؤمل من التوسع في اللقاح لمختلف شرائح المجتمع ، وطلبة المدارس ممن هم في سن 12 عاما فأعلى من المتوقع أن يقلل من الإصابة بالفيروس، وبالتالي انخفاض كبير في أعداد الإصابات والمنومين بالمؤسسات الصحية والعناية المركزة وكذلك أعداد الوفيات الناتجة عن الفيروس، وتبقى آمال الطلبة والهيئات التدريسية والادارية والاشرافية في أن يكون هذا الانتظار الذي دام أكثر من عام ونصف العام منذ بدء الجائحة، محطة لالتقاط الانفاس، وعودة الحياة إلى طبيعتها، وانطلاقة أكثر جدية ومهنية لمنظومة التعليم في إعادة انتاج الواقع الجديد والوقوف على تجلياته.

عليه ينطلق طرحنا للموضوع من التساؤل، إلى أي مدى يمكن أن تمثل العودة إلى مقاعد الدراسة لطلبة المدارس والجامعات فرصة جديدة في قراءة التوازنات التي أنتجتها جائحة كورونا، والمكاسب التي حققتها على مستوى الأفراد والمجتمعات، بحيث يستحضر فيها التعليم أحداث هذه الجائحة والمواقف التي واجهها الطلبة والظروف التي عايشوها بين المنع والاغلاق وتقييد الحركة والتعليم عن بعد، وفق بناء منهجيات جيدة وأليات عمل متجددة أكثر تقنيا وواقعية ومصداقية وتفاعلية توجه بوصلة التعليم، ونوعية البرامج والخطط والاستراتيجيات التعليمية المعتمدة، وأن تكون وثيقة الإطار العام لتشغيل المدارس سواء عبر التعليم المباشر أو التعليم عن بعد، والتي أشار إليها قرار اللجنة العليا، ووجهت وزارة التربية والتعليم إلى الإعلان عن تفاصيلها خلال الفترة المقبلة؟، هذا الأمر من شأنه أن يأخذ في الاعتبار جملة المبادرات والتوجهات والخطط والاستراتيجيات والأدوات والآليات والمناهج والانشطة، والإدارة والتنظيم التي يجب أن تجسد تفاصيل العمل القادم وآلياته، وتبرز خطوات الأداء وأدوار المعنيين والممارسين التعليميين، ومسؤوليات إدارات المدارس والصلاحيات الممنوحة لها في التعامل مع طبيعة المسار التعليمي القادم، ونواتج الرصد اليومي للحالات في المدارس وتشخيصها وجاهزية التعامل معها، بالإضافة إلى البرامج النفسية والصحية والتوعوية والتثقيفية التي تتاح للطلبة في مواجهة أي تحديات صحية مرتقبة قد تنتج خلال عمليات التفاعل الحاصلة بين الطلبة في الموقف التعليمي، وفي الوقت نفسه طمأنة المجتمع وأولياء الامور وإزالة هاجس الخوف والقلق لديهم حول أبنائهم، وبالتالي حجم الممكنات الممنوحة للمدارس في إدارة الجائحة، وآلية التعامل معها، وتقييم مراحل العمل وخطوات الإنجاز بصورة دورية لضمان بناء مزيد من الثقة في كفاءة مسار الممارسة التعليمية.
ومع شغف الانتظار والأمل الذي يحدو الطلبة اليوم في العودة إلى مقاعد الدراسة رغم ما قد يصاحبها من هواجس الخوف والقلق، إلا أن إجراءات العودة الآمنة وبحذر التي أبقت خلالها اللجنة العليا على الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية كالكمام والتباعد وغيره موجهات أساسية تقلل من تأثير هذا الهاجس، وتؤسس لروح التغيير وإنتاج القوة في تضامن الجميع نحو بناء سلوك تعليمي متوازن يقف على الأهداف ويدرك جوانب الالتزام، بالشكل الذي ينعكس أيجابا على قناعات الطلبة، والمحافظة على المكتسبات التي تحققت لهم في ظل معطيات الجائحة، كما تعالج التحديات والتراكمات والاشكاليات التي أفرزتها الجائحة في حياة الطلبة وفجوة التباينات والتراكمات النفسية التي عايشها الطالب في فترة انقطاعه على المدارس، وبالتالي يبقى الحكم على جودة الممارسة التعليمية وكفاءتها وقدرتها على انتزاع هاجس القلق لدى الطالب مرهون بمستوى التغيير المتوقع أن يحدث في هيكلة الممارسة التعليمية والبرنامج اليومي بالمدارس واقترابه من فقه الطالب لما بعد الجائحة، وحجم التحول الحاصل في المحتوى العلمي والمهارات ، باعتبارها مرتكزات أساسية للحكم على كفاءة التعليم في التعامل مع متطلبات المرحلة الجديدة، وحرص الإطار العام لتشغيل المدارس لما بعد كورونا أن يُحدث تحول في العادات التعليمية للطالب، بحيث يشعر بأنه أمام مرحلة جديدة لها متطلباتها وظروفها، وعليه أن يتعاطى معها بمزيد من الجدية والمهنية، واثبات بصمة حضور له في تفاعله مع ما يطرحه البرنامج المدرسي في الخطة الدراسية من أنشطة وبرامج ومناهج ومساقات تدريسية وأنظمة تقييم ونظم تقويم ، وأن التعليم هو القادر بممكناته وفرصة أن يقدم للطالب جرعات تثقيفية وتوعوية ونفسية تلملم الجراح وتصحح الكثير من الإخفاقات والصدمات التي عايشها في الفترة الماضية.
أخيرا تبقى العودة بحذر إلى مقاعد الدراسة محطة تحمل الكثير من الهواجس والترقب والانتظار والأمل ، فهي سيناريو تعليمي قابل للتغيير، ومعرض لمخاطر التعديل، بما يؤكد على أهمية وجود سيناريوهات أخرى بديلة للحد من صدمة الاغلاق، وفي الوقت نفسه أن تدرك وزارة التربية والتعليم والقائمين على شؤون المدارس، أن العودة إلى مقاعد الدراسة في ظل استمرار الظرف الاستثنائي، محطة لتقييم المسار وإعادة هندسة التعليم، وتصحيح مساراته والتنويع فيه، ومراجعة تقييم التحديات التي اثرت على نجاحه، ومعنى ذلك أن تقييم مسار العودة الآمنة ينبغي أن يسري في جوهر التعليم ذاته، وأن يوجه نحو جودة الممارسة التعليمية ذاتها ، وأن يتجه بشكل أكبر إلى المحتوى والعمق التعليمي، بحيث يستشعر الطالب أنه قادم لمرحلة جديدة تختلف في أسلوب التدريس، وطريقة التعلم، ونماذج التعليم، والأنشطة، والمبادرات التعليمية، والمسابقات، والمناشط الصفية وغير الصفية، ومعايير الأداء، وزمن التعلم، ووقت التمدرس، وطريقة تدريس القيم، وتعظيم المهارات الحياتية، وإعادة الاعتبار لها، وتطوير ثقافة المعلم، والممكنات التي تمنح للطالب في بيئة الصف، وقدرة المناهج التعليمية على التخلص من الشوائب والزوائد غير الضرورية التي باتت تثقل كاهل الطالب وتسهم في زيادة الهدر ورفع نسبة الفاقد التعليمي. محطة يقرأ الطالب خلالها التعليم في نمط آخر، ونموذج مختلف، وأسلوب جديد، وطريقة مبتكرة، فهل ستكون العودة إلى مقاعد الدراسة الحلقة الأقوى في معادلة التغيير المنشود؟