أثير- موسى الفرعي
الشدائد تُخرج أحسن ما في الناس، وأسوأ ما فيهم أيضا، وما شهدته عمان من أنواء مناخية استثنائية قد خلَفت وراءها ضررا كبيرا على الأرض والإنسان في شمال الباطنة لكنها كما في السابق أظهرت معادن الناس الأصيلة، فعمان كلها تتنافس وتتسابق لخدمة المجتمع، وهذا هو المعنى الحقيقي للمواطنة السليمة؛ مواطنون يحرصون على مصلحة الوطن ويتدافعون لخدمة الإنسان دون رجاء بمصلحة أو تقربا لأحد وإنما هو فعل أنتجته الأخلاق التي هي أساس تكوين المواطن العماني.
والمواطنة السليمة إن لم تكن سلوكا صحيا أولا فهي عاجزة أن تكون انتماء أو أي شيء آخر، ولا شيء يبهج النفس في هذه الأيام كوسائل التواصل الاجتماعي ومواقعه التي تحولت إلى حلبة سباق وتنافس للوصول إلى مصلحة الإنسان وخدمة أهلنا وإخوتنا المتضررين من الإعصار شاهين في شمال الباطنة، وهي الروح السبّاقة ذاتها إلى خدمة عمان، فقوافل الإنسانية تتحرك من كل أجزاء عمان إلى أي جزء متضرر فيها.
إن التجربة أثبتت ذلك، وعندما تتكرر الأشياء تتحول إلى قاعدة، وسعي العمانيين إلى خدمة إخوتهم درس ومثال يحتذى به، وهو درس بتكاتفهم وتعاونهم والتفافهم على بعضهم البعض إن مسَّ أحدهم ضرر أو حاول أحدهم الإساءة لهذا الوطن العظيم. وما أعظم ما شهدناه من هذا التكاتف والتعاون وروح الأخوة الحقيقية والمواطنة الصالحة خلال الأعوام الفائتة.
إن هذا الحراك الأخوي تعبير لا تعادله أي عبارة شكر مهما بلغت بلاغتها وحسن صياغتها. وهناك أيضا سباق بعض القطاعات التي بادرت بالتبرع المادي لنجدة المتضررين التي يدفعها الواجب الوطني والعملي والإنساني، ولا عزاء لمن توانى عن خدمة وطنه وتقاعس عن نصرة أخيه الإنسان، وقد شهدنا تبرعات بلغت عشرات الملايين من مواطنين ورجال أعمال وبعض القطاعات في الدولة، لذلك وجب على الحكومة الحرص الشديد على هذه التعويضات والتبرعات كي يتم توزيعها بشكل سليم، وألا تتأخر على أصحابها وإلا فإن ذلك سيدفع البعض إلى السؤال فيذل، وهم أهل كرام لا يليق بهم الغُبن وذل السؤال، ولا يساورني أدنى شك بأن الجهات المعنية ستكون حريصة على ذلك لا سيما بعد التوجيهات السامية لتقييم الأضرار ومتابعته من خلال اللجان، فما من أحد يقبل بتأخر الحقوق ويدير للإنسانية ظهره إلا وسقطت إنسانيته وتنصل من قيمه ومبادئه، حفظ الله عمان دائما إنسانا يعلو على كل الشدائد، وقائدًا منحازًا لأبنائه دائمًا، وأرضًا كريمة أبدًا.