إعداد : د.الأزهر معلم عبدالله- متخصص في الصيرفة الإسلامية
تنطوي المضاربة الشرعية على مخاطر هيكلية أمام المستثمر (رب المال)، بينما المنافسة التجارية تجبر البنوك الإسلامية على تبني أدوات فعالة قادرة على الحد من تلك المخاطر ضمانا لتحقيق الأرباح المتوقعة للمودعين عندها بصيغة المضاربة. فبدون هذه الأدوات، يتعرض المودعون للخسارة، مما قد يدفعهم إلى سحب ودائعهم والانتقال إلى بنوك أخرى ـ إسلامية أو تقليدية. وتناقش هذه الورقة البحثية الأدوات المالية والإجرائية من الناحية الشرعية والعملية المعمول بها في البنوك الإسلامية العاملة في سلطنة عمان للوقوف على مشروعيتها وشموليتها وتنوعها.
لقد استقر في أدبيات الصيرفة الإسلامية خصوصا والتمويل الإسلامي عموما مبدأ شرعي مفاده أن المصرف الإسلامي لا يجوز له من الناحية الشرعية أن يضمن للمستثمر أي أرباح على استثماراته، بل ورأسماله، بغض النظر عن طبيعة العلاقة بينه والمستثمر، سواء كانت مشاركة أم مضاربة أم وكالة بالاستثمار؛ فأي من هذه العلاقات الثلاثة تفرض أن يتحمل المستثمر/ المودع مخاطر ماله في حدود حصته في الاستثمار؛ وعليه، فالشريك ـ في المشاركة، ورب المال ـ في المضاربة، والموكل ـ في الوكالة بالاستثمار ـ كل منهم يتحمل مسئولية استثماره ـ وأهمها احتمال خسارة رأس المال والأرباح ـ إذا انتفى التعدي أو التقصير أو المخالفة من قبل الشريك الآخر أو المضارب أو الوكيل على التوالي.
إن مبدأ عدم ضمان البنك الإسلامي للمودعين أو المساهمين أي أرباح ـ أو حتى رأس المال ـ مبعثه أن الإيداعات التي تكون في حوزة البنك الإسلامي ـ باستثناء ودائع الحساب الجاري ـ لا تمثل قروضا من قبل أصحابها إلى البنك، بل هي ودائع استثمارية مؤتمنة إلى البنك، يستثمرها لهم ولمصلحتهم وعلى حسابهم ومن هنا، لا يضمن البنك الإسلامي مبلغ الاستثمار وأرباحه مادام لم يثبت منه تعد أو تقصير أو مخالفة بموجب العقد بينه وبين المستثمر (المودع)
إن العمل بالضمانات التي تناولها بحثنا المعنون بـ “أدوات المضارب للحيلولة دون خسارة رب المال في المضاربة البنوك الإسىلامية في سلطنة عمان أنموذجا” مطلب أساسي شرعا وقانونا وعرفا مصرفيا. ولاشك في أن ثقافة الزبائن عامل أساسي لإطلاق منتج الهبة، حيث إن كثيرا من الزبائن لديهم تعاملات سابقة مع البنوك التقليدية واعتادوا على تلقي عائدات ثابتة، ومن ثم لا يقتنعون بأن العائد على إيداعاتهم في المضاربة قابل للتذبذب، بالارتفاع أوالانخفاض أوالفقدان أصلا. كما أن دناءة الربح الموزع في المضاربة الشرعية دافع رئيس آخر في إقبال الزبائن على منتجات الهبة في البنوك الإسلامية؛ فنسبة العائد في إيداعات المضاربة في هذه البنوك تبدأ تقريبا بـ 0.1% لحسابات التوفير، و0.75% للحسابات الثابتة، وهي بذلك ضئلة جدا مما يدفع الزبائن إلى محاولة الاسترباح من الهبات.
ومهما يقال من منطلق شرعي أو تنظيمي عن مدى خطورة الهبات من المساهمين إلى المودعين في البنوك الإسلامية، ومحاولة البعض لإقناع هيئات الرقابة الشرعية في هذه البنوك أو القائمين على البنوك المركزية بإيقافها، فلا شك أن الهبة أساسا معتبرة شرعا، ومن ثم لا يجوز منع شيء أصله الجواز إلا بأدلة قاطعة. كما أن الجوانب الإيجابية الأخرى ـ وكلها داخلة في مقاصد الشريعة ـ لا يجوز إغفالها، مثل: التشجيع على ثقافة الادخار الاستثماري لتقوية القطاع المصرفي الإسلامي ـ بدلا من ترك الزبائن ينجرون بها وراء الإغراءات الاستهلاكية والترفيهية الزائدة، أو نقلها من البنوك الإسلامية إلى البنوك التقليدية. هذا بالإضافة إلى إشراك الآخرين في مال الله ـ بدلا من منع المساهمين من مشاركة المودعين فيها ليزدادوا بذلك شحا وبخلا وأنانية.
إن البنوك الإسلامية ـ دون أن تجعل الأموال المستثمرة لديها ديونا مضمونة، ودون أن تنص في عقودها بأنها تتعهد بضمانها في كل الحالات ـ تملك من الأدوات المالية والتدابير الإجرائية الكافية لضمان عودة الأموال المستثمرة لديها مع الأرباح، وأن معظم البنوك الإسلامية في السلطنة تستخدم هذه الأدوات لتفادي الخسائر وتحقيق العائدات المرجوة، وتحتاج إلى تفعيلها نوعا وكما. وتشمل هذه الأدوات دون حصر: عمليات المبادلات المؤقتة، احتياطي مخاطر الاستثمار، واحتياطي تسوية الأرباح، والتأمينات التكافلية على الأصول، والضمانات الداخلية، بالإضافة إلى إحلال الالتزامات، والكفالات الشخصية، وتنويع المنتجات الاستثمارية، والتضمين بالتعدي والتقصير، وتوزيع الهبات وغير ذلك، بغية ضمان سلامة الاستثمارات وتحقيق الأرباح المتوقعة للمستثمرين بشكل منتظم. ولاشك في أن العمل بهذه التدابير والأدوات كفيلة لضمان المبالغ المستثمرة لدى البنوك الإسلامية، ومنح المستثمرين لديها الشعور بالدفئ وراحة البال بأن استثماراتهم بالأدوات المصرفية الإسلامية تلبي المطالب الشرعية، وفي الوقت ذاته تضمن لهم سلامة رأسمالهم مع تحقيق الأرباح المرجوة.
ويُمكن للقارئ الكريم الاطلاع على تفاصيل الدراسة من حيث أهدافها ومنهجيتها كاملة في هذا الملف:
صحيفة أثير-دراسة حول أدوات المضاربة في البنوك الإسلامية
صحيفة أثير-دراسة حول أدوات المضاربة في البنوك الإسلامية
د.الأزهر معلم عبدالله- متخصص في الصيرفة الإسلامية