أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
لم ترتبط الحلوى العمانية بسلطنة عمان فقط، بل نقلت مكوناتها إلى مناطق أخرى، وأصبح لها صنّاعها الخاصّون في مدن وموانئ عديدة كزنجبار، والجزيرة الخضراء، وممباسا، والبر الأفريقي، والبحرين، والكويت، والشارقة وغيرها.
وإذا أردنا الحديث عن تاريخ صناعة الحلوى العمانية، فإننا لا نجد كتابات أو إشارات واضحة تدل على تاريخ صناعة الحلوى العمانية بدقة، غير أنها ترد عرضًا في العديد من الفتاوى الدينية العمانية، كما وردت الإشارة إليها في عدد من التقارير وكتب الرحّالة العرب والأجانب، وهذا ما سنتناوله في هذا التقرير من خلال استعراض مجموعة من الإشارات الخاصة بالحلوى العمانية في عددٍ من كتب الفقه والرحلات المتعلقة بسلطنة عمان.

كتاب عمان منذ الأزل. جـ 3
الحلوى العمانية في كتب الفقه
في الجزء الخامس من أجوبة المحقق الخليلي ” في أناس يسرجون ويدخنون بالعود أو الجاوي ويلقون الحلوى واللحم في أماكن كالقبور والشجر والخرابات يطلبون جلب نفع… وكذلك يصبون دماء الأنعام في أماكن من الأرض…“. الجواب: ” إن اعتقاد النفع والضر والشفاء والسقم من جهة الجن والمساجد والقبور باطل“
وفي الجزء الرابع من الأجوبة: ” جرت السنة وجرت العادة في المملكة إذا ملك أحد أن يعطوه مثل الحلوى وكذلك البدو إذا أملكتهم فقالوا لي ما تريد وما حقك “.
وفي الجزء الرابع كذلك ورد تعريف لمصطلح ” غلافات“، وأنها أوعية من السعف تحفظ فيها الحلوى.
وفي سؤالٍ رفع للمحقق الخليلي عن المدرسة والوقف ومصاريف المتعلمين: ” أدركت مال في بلدتي غالته يأكلها المتعلمون في الأثر ما يشاؤون من الفواكه مثل الحلوى لا غيرها أو يقتسمونها دراهم أو نخلا وأنا قد ابتليت بقبضها ولم أجد أحد يستحق ذلك كالذين أدركتهم من قبل إلا بعضا من الناس تارة يطالع الآثار وتارة يترك ذلك زمانا ولكن يطلق عليه اسم المتعلم …”.
وفي تحفة المتعلم للمنذري ورد ذكر للحلوى في أحد الأسئلة: “الذي يفرق في المساجد مثل حلوى وغيرها في ليلة الحج..“.
وفي لباب الآثار للشيخ مهنا بن خلفان ورد سؤال موجه للشيخ سليمان بن محمد بن مداد: “إذا اجتمع نفر من الإحوان في الله – عز وجل- وأرادوا الفرجة والنزهة فيخرجون إلى مكان خارج القرية قرب نهر أو ماء أو غير نهر، ويأخذون شيئا من اللحم والحلوى، ومرادهم للتمشي لأن طول العقود يولد أسقاما “.
وكان العمانيون يحتفظون بالحلوى فيما يعرف محليًا بالتغليفة المصنوعة من سعف النخيل، أو صناديق الألمنيوم المعروفة محليًا بالتنك لعدة أسابيع أو شهور، دون أن تصاب بالتعفن، أو تنتهي صلاحيتها.

اهتمام السلاطين والأئمة بالحلوى
اهتم الأئمة والسلاطين بالحلوى العمانية، فكانوا يقدمونها في موائدهم، ويهدونها لضيوفهم، وترسل كبهطة لبعض المشايخ والأعيان، فيذكر ابن رزيق في الفتح المبين أن الإمام أحمد بن سعيد كان إذا أراد أن يمضي من الرستاق إلى مسقط، أمر أن تخدم له حلوى كثيرة، فتحمل على جمل، فإذا وصل إلى نعمان بركه أتته صبيان الفقراء والمساكين، من حدّ حي عاصم إلى الحفري، فيأمر أن يُعطى كل واحد غلافات من الحلوى، فإذا أخذوا ذلك، قال: انصرفوا، بارك الله فيكم.

مجلة العربي الكويتية. العدد 148، 1971
الحلوى العمانية في كتب الرحّالة والمستشرقين
لم يغفل العديد من الرحالة والمستشرقين الذين زاروا عمان في فتراتٍ مختلفة أن يتناولوا الحلوى العمانية في تقاريرهم وكتبهم ومدوّناتهم، فيذكر ريمون وليستد أثناء زيارته إلى عمان عام 1835 معلومات عن الحلوى “التي هي خليط من السكر والعسل والزنجبيل ولتّ اللوز، تلتّ وتعجن، فتتداخل ثم تطبخ على النار حتى تصبح عجينة غليظة، وتعبّأ هذه الحلوى بعدئذ في علب دائرية من الفخار يبلغ قطرها حوالي عشر بوصات، أما جوانبها فمنخفضة. وتصدر كميات كبيرة من هذه الحلوى إلى الهند وإلى فارس”.
كما أشار الصحفي الأمريكي لوشر في كتابه (مع الهلال والنجم) الذي يصف فيه رحلته من بومباي إلى استانبول عام 1868 إلى الحلوى المسقطية أثناء زيارته إلى مسقطالتي وصلها في 8 مارس 1868، بقوله: “ هناك تجارةٌ مربحة جدًا أيضًا تمارس من قبل الحلوانيين في مسقط الذين كانوا يصنعون من ضمن الحلويات الأخرى مادة هلاميّة صلبة تعدّ من حليب الإبل، والعسل البري، والزبدة التي تُلتّ وتعجن مع الدقيق. إن هذا النوع من الطعام الذي يطلق عليه السكّان اسم (حلوى) مجردًا، له مذاقٌ طيّب جدًا وهو مغذّ وأعتقد أنه طعامٌ صحّي أيضا.وهناك أنواعًا من هذه الحلوى تباع في شكل مكعبات يبلغ طول ضلع القطعة حوالي بوصة، وتصدر إلى مناطق عديدة في شبه الجزيرة العربية، وإلى مناطق أخرى في فارس وشبه جزيرة الهند”.
وتناول الرحالة والوكيل السياسي البريطاني صمويل بارت مايلز الذي عيّن وكيلًا سياسيًا في مسقط عام 1872، وقام بالعديد من الجولات الداخلية في عمان، الحلوى العمانية أثناء زيارته إلى نزوى حيث ذكر أنها ” تتميز عن غيرها من مدن عمان وبلداتها بنوعٍ خاص من الحلوى؛ إذ إن حلواها لها مذاق يختلف عن مذاق حلوى مسقط، وغالبًا ما يتم تصديرها..”

مجلة العربي الكويتية. عدد 148، 1971
ويشير رجل دين مسيحي عراقي من أصل سوري وهو القسيس مير أثناسيوس أغناطيوس الذي زار مسقط في أكتوبر 1899 ضمن رحلته إلى الهند ما بين عامي 1899-1900، كذلك إلى شهرة المدينة بالحلوى التي يضعونها في علب (تنك) ويصدّرونها إلى الخارج.
كما يذكر العالم العراقي هبة الله الشهرستاني أثناء حديثه عن زيارته إلى مسقط في يناير 1912 أنه أهديت له عدّة هدايا من بينها كمية من حلوى مسقط: ” ودعت السيد فيصل يوم الإثنين 19 صفر سنة 1331هـ بمسقط فقدم لي 30 جنيه، وأمر لي ببيت قمارة (قمرة) سكن بثمن 52 روبية، وأهدى لي أخوه السيد محمد عباءًة ثمينة، ثم أهدى لي ابنه السيد سالم أربعة أمنان حلوى مسقطية
ووصف الوجيه الشامي محمد الأحمد الأسد جانبًا من مناسبة زواج حضرها في مسقط أثناء زيارته لها في مايو 1937 حيث ذكر أنه: ” كان السيد حسين قد أخبرني بأننا مدعوون معه بعد صلاة العشاء إلى عقد نكاح، فذهبنا مع الحاج ألماس إلى بيت العرس وكان مجتمعًا فيه حول الثلاثين شخصًا، فحضر العريس وأجري عقد الزواج بأن وضع يده بيد موكّل العروس وحصل الإيجاب والقبول على مهرٍ معجل ومؤخّر 240 ريالا فرنساويا حسب العوائد هنا، ثم قدّمت حلاوة مسقط وأديرت القهوة العربية، وانصرف من انصرف، وبقي من بقي لسماع (البرزنجي) أي قصة مولد النبي صلى الله عليه وسلم”.
ويشير الباحث علي البسّام إلى أن الحلوى العمانية كانت تصدّر إلى بلدان الخليج العربي واليمن وزنجبار والهند وجزيرة موريشيوس والولايات المتحدة الأمريكية، وقد بلغ مجموع ما صدّر منها في العشر سنوات الأولى من حكم السلطان تركي حوالي (109000) دولار، وتفاوت سعر صندوق الحلوى من 12 إلى 25 دولارا.
ويذكر الباحث الدكتور يعقوب الحجّي في معرض حديثه عن النشاطات البحرية القديمة في الكويت: “ولكن سفن الكويت لا تغادر مسقط دون أن يشتري النوخذة والبحارة أرطالًا من من حلوى مسقط الشهيرة ، وذلك هدية لأهاليهم وأصدقائهم في الكويت”.
قصة ودلالة
كان من عادة الشيخ زايد بن سلطان رئيس الإمارات السابق بحسب ما أورده الباحث محمد الحبسي في كتابه (100 قصة عن الشيخ زايد) أن يجلس مع محبيه ومحادثتهم والاستماع إليهم، وفي إحدى هذه الجلسات سأل الشيخ زايد بن سلطان الشيخ سالم بن حم عن الحلوى العمانية يريد رأيه فيها؟ فقد كان الشيخ زايد يستأنس برأي الشيخ ابن حم، فقال: ” وش تقول يا سالم في الحلوى؟” فرد الشيخ سالم بلهجته البدوية قائلًا:” في العيشة ماشي أحلى من الحلوى،..”.
وفي هذا الموقف دلالة واضحة على أهمية الحلوى العمانية كأحد رموز الهوية الثقافية العمانية، ومعلم بارز من معالم الثقافة المحلية، وشهرتها الواسعة التي تعدت النطاق المحلي إلى آفاق عربية وإقليمية وعالمية، فهي رمز الضيافة، ورفيقة المناسبات، والمادة المفضّلة للإهداء لدى العديد من السلاطين والشيوخ والوجهاء، وهي تعد أبرز المفردات التي يبحث عنها الزائر إلى عمان.
المراجع
1- الأسد. ناصر الدين. محمد أحمد الأسد سيرة وثائقية، دار الفتح للدراسات والنشر، عمّان، الأردن، 2008.
2- إبراهيم، عبد العزيز عبد الغني. روايات غربية عن رحلات في شبه الجزيرة العربية، ج3، دار الساقي، بيروت، لبنان، 2013.
3- إبن رزيق، حميد بن محمد. الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين، ج2، ط6، وزارة التراث والثقافة، مسقط، سلطنة عمان، 2016.
4- البسّام، علي بن حسين. الأوضاع السياسية والاقتصادية في سلطنة مسقط وأثرها على الملاحة والتجارة، الدار العربية للموسوعات، ط1، بيروت، لبنان، 2009.
5- البوسعيدي، لباب الآثار، ج1، ص: 216″.
6- الحبسي، محمد. 100 قصة عن الشيخ زايد، ط2، دار كتّاب للنشر والتوزيع، أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة،2018.
7- الحجري، هلال. عمان في عيون الرحّالة البريطانيين، طـ1، دار الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2013.
8- الحجي. يعقوب يوسف. النشاطات البحرية القديمة في الكويت، مركز البحوث والدراسات الكويتية، الكويت، 2007.
9- الخليلي، سعيد بن خلفان. أجوبة المحقق الخليلي ،ج4، ص:350، مكتبة الجيل الواعد، سلطنة عمان،2010
10- أجوبة المحقق،ج4، ص: 355
11- أجوبة المحقق،ج5، ص: ٢١٧.
12- أجوبة المحقق،ج6، ص: ١٥٧-١٥٨.
13- زبّال، سليم. عمان تنفتح على العالم، مجلة العربي، العدد 148، الكويت، مارس 1971
14- الشهرستاني، هية الدين. رحلة السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني إلى الهند، تحقيق جواد كاظم البيضاني، ط1، دار مدارك للنشر، بيروت، لبنان، 2012.
15- لوكر، أ. مع الهلال والنجم، ترجمة رنا صالح، طـ1، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، 2011.
16- نوري، مار أثناسيوس. رحلة إلى الهند، تقديم نوري الجرّاح، دار السويدي للنشر والتوزيع، ط1، أبوظبي، 2003.
17- وليستد، ريموند. تاريخ عمان: رحلة في شبه الجزيرةالعربية 1835، دار الساقي، بيروت، لبنان،2002.