الأديب الأستاذ أحمد الفلاحي يكتب: يوم في “سمائل” لا ينسى

الأديب الأستاذ أحمد الفلاحي يكتب: يوم في “سمائل” لا ينسى
الأديب الأستاذ أحمد الفلاحي يكتب: يوم في “سمائل” لا ينسى الأديب الأستاذ أحمد الفلاحي يكتب: يوم في “سمائل” لا ينسى

أثير – الأديب أحمد بن عبدالله الفلاحي

جماعة من عشاق الشعر ومن السالكين دروب النظم قاموا بزيارة شيقة لمدينة الشعر “سمائل” تلبية لدعوة كريمة من الشاعر الكبير الشيخ محمد بن عبدالله الخليلي وكانت زيارة فيها الوفاء للشعر وأهله.

على السعد من عليا “سمائل” فاصطبح
صبوحك واهنأ بالغبوق المسلسل


هكذا قال شيخنا عبدالله الخليلي شاعرنا الأكبر

وقد اصطبح الزائرون بجمال “علاية” “سمائل” وانتعشت أرواحهم في “السفالة” منها وخفقت قلوبهم في ثراها الممتد من أقصاها لأقصاها ابتداء بـ “سرور” وانتهاء بـ “وادي محرم” قرى امتدت مشاهدها بكل جميل ونبيل كان فيها الدهشة والاستمتاع من أول قرية فيها وحتى آخر قرية منتشين بكل ما تمثله “سمائل” من معان فاقت الحصر والعد في إنسانها النابت من أرضها أولا وفي مظاهر طبيعتها ثانيا يتعطر زائرها بفوح عبيرها الفتان المنبعث من قلوب أهلها الطيبين ومن أفياء حدائقها الغناء المخضرة المزهرة.

ولا أدري ماذا يمكن لواحد مثلي أن يقول عن زيارة هذه النخبة المتميزة من محبي الشعر ومنشديه المغترفين من فيوضه فملكة القول عندي ضئيلة متواضعة إن لم تكن معدومة من الأساس.

إن ما أمتلكه من بضاعة هي فقط الهيمان في أودية الشعر ولا من بضاعة أخرى لدي سواها تتقاذفني الدروب لتقود خطاي من رياض ذاك الوادي إلى جنات أخيه أستنشق روائح الزهر وألتذ بطيبات الثمر ولا طاقة لي بغير ذلك ودوما أمام نهور الشعر ومصابيحه النيرة تنتابني الحيرة في التعبير ويضيق أمامي سبيل الخطاب وأجد لساني ينحسر عن الإتيان بما يرقى لمستوى جلال مشهد الشعر البديع المبهج، فالشعر المطيب بعبق القرون والعصور من منابعه وجذوره الأولى ورحابه الفسيحة الواسعة تمتد أغصانه وفروعه في مدينة “سمائل” الخصبة التي منها تدفقت مياه الشعر غزيرة صافية عذبة المذاق على مر الأجيال منذ انبلاج فجر الشعر عند العرب في أزمنته البعيدة المنطوية في ظلمات الدهور إلى أن رأى الناس مازن بن غضوبة السمائلي يستهل بالشعر تحيته للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام مرورا بعالم الشعراء وشاعر العلماء صاحب القول البليغ –ابن النظر- وشعراء وقته ومن سبقه ومن جاء بعده. حقبة بعد أخرى وصولا إلى إمام فقهاء عصره الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي وقد عرفه أغلب الناس فقيها ومفتيا وزعيما ولم يقفوا كثيرا مع قدراته الشعرية الرفيعة العالية وكذلك نجله الشيخ عبدالله بن سعيد الذي له في الشعر آيات بينات مشرقة بالأنوار وبعد ذلك مباشرة سطع نجم أبو مسلم شاعر سمائل المبدع بل شاعر عمان كلها وهو  الشاعر الضخم الأعلى شاعرية والأقوى بيانا وقد هزت أشعاره عمان من شتى جوانبها في زمانه وحتى يومنا هذا ثم أسفرت أضواء الشعر السمائلية عن أعلام كبار من أبرزهم العلامة الشيخ خلفان بن جميل والعلامة الشيخ سالم بن حمود وعشرات من تلامذتهم وبني جيلهم ممن ارتفع صرح الشعر على أيديهم ومعهم أو يليهم في الزمن شاعر عصرنا الأكبر أمير البيان الشيخ عبدالله بن علي الخليلي وهو من تسيد زعامة الشعر في عمان بعد أبي مسلم إضافة إلى أسماء سمائلية كثيرة نبغت في كنف هؤلاء الأعلام ونمت تحت رعايتهم وترعرعت في مجالسهم أحبت الشعر وأضافت إليه ونهضت برسالته. ولعل من أبرزهم في يومنا شاعرنا الكبير المتميز الشيخ هلال بن سالم السيابي مبدع اللغة الرصينة والقصائد الجزلة وكذلك مضيفنا صاحب الفضل في هذا الملتقى الشيخ محمد بن عبدالله الخليلي الذي انكشفت موهبته القوية بعد رحيل والده العزيز مظهرة الروائع والبدائع التي ما برح عشاق الشعر ينتظرونها دواوين مطبوعة في أيديهم ولعل صمته من قبل كان إجلالا لمقام أبيه العالي. وفي “سمائل” اليوم أجيال من أهل الشعر من الكهول ومن الشبان الصغار وإخوتهم الأكبر منهم عمرا ينهضون بومضة الشعر السمائلية اقتفاء لسبيل الماضين من سابقيهم الميامين ضمن مسيرة الشعر العماني المتدفقة الفياضة بلا انقطاع.

سلسلة ابتدأت من أول ظهور الشعر واتصل مسارها وامتدادها حتى لحظتنا هذه تنهمر بتياراته لتخترق به حجب الأزمنة وتوالي دورانها يحمله الجيل اللاحق من الجيل السابق له دون توقف.

هنا نحن في “سمائل” الجميلة العريقة وقد ابتهجت بنا وأسعدتنا بما كشفته لنا من عظيم كنوزها وتليد ذخائرها وجديد معالمها.

وكانت بداية برنامجنا المعد بإتقان القهوة الترحيبية في “السبلة” العامة حيث جرى الاستقبال الرائع كما هي عادة التجمعات السكانية في عمان ومنها مباشرة الذهاب إلى منزل الدكتور الشيخ القاضي عبدالله بن راشد السيابي أحد أعلام سمائل البارزين لنيل ضيافته السخية ومن دار الشيخ عبدالله انطلق البرنامج في سيارات الباص العديدة المريحه المتسعة ومعها الدليل المتمكن الحاذق الشارح لخلفيات المكان وما فيه شرح العارف الخبير لنقف في ضريح بركة “سمائل” وبركة عمان كلها الصحابي الجليل “مازن بن غضوبة” أول عماني تشرف بمصافحة يد النبي محمد صلى الله عليه وسلم شخصيا وقد سعدنا بالصلاة في مسجده المنير مسجد “المضمار” أقدم مسجد عرفته عمان على الإطلاق عند بزوغ الدعوة الإسلامية ومن هناك مضى موكب البرنامج إلى مسجد العلم الكبير ذائع الصيت من له المقام الأرفع في ضمائر كل العمانيين الإمام الجليل محمد بن عبدالله الخليلي المجاور لمنزله الشريف في منطقة “سحرا” التي قيل فيها:

ما بين “سحرا” و “نغزى” قلب المتيم يغزى

و”نغزى” هو اسم إحدى مزارع ذلك الإمام الماجد الكريم وبعد ذلك كان الانتقال إلى حصن “سمائل” الشامخ العتيد ومنه التوجه نحو بيت “الباروني” أحد معالم “سمائل” البارزة وقد تفضل مالكه الشيخ المبجل سعود بن علي عميد الأسرة الخليلية فأذن بفتح أبوابه لنا ومنا له عظيم الامتنان وجزيل الشكر لذلك وهذا المنزل باعه ورثة الشيخ “الباروني” غداة رحيلهم من عمان لأحد أعيان مدينة “سمائل” واشتراه منه الشيخ سعود فيما بعد وقام بإعادة بنائه وتوسعته وفي هذا المنزل افتتحت أول مدرسة نظامية مع أوائل العهد الجديد مطلع السبعينات من القرن العشرين إلى أن أنشأت الحكومة مدرسة “سمائل” ليعود المنزل سكنا شخصيا لصاحبه كما كان من قبل وكان من ضمن نقاط برنامجنا التجوال بين حارات “سمائل” ومبانيها الأثرية ومنشئاتها العصرية الحكومية والأهلية وبساتينها الممتلئة بالنخيل والأشجار اليانعة الرائقة وأفلاجها المتدفقة بالمياه الجارية المنسابة. ومن ثم كان المسير نحو مكتبة العلامة الشيخ أبي عبيد حمد بن عبيد السليمي إحدى المعالم المشرقة اليوم في سمائل وقد استقبلنا هناك نجله الشيخ سلام وحفيده الشيخ عامر بن سعيد السليمي اللذان قدما الضيافة المعتبرة بعد إتمام الجولة في المكتبة والتعرف على محتوياتها وعلى المدرسة التابعة لها.

ومن هناك انطلقت سيارات موكبنا لزيارة مصنع تمور سمائل ومر خط سيرنا قبل وصول المصنع أمام مزرعتي العالمين الكبيرين الشيخ خلفان بن جميل السيابي والشيخ سالم بن حمود السيابي المحتويتين على ضريحيهما الكريمين المتجاورين كتجاورهما زمن الحياة ومصنع تمور سمائل يعد اليوم من مفاخر عمان بآلاته الحديثة وتجهيزاته الدقيقة ومنتجاته المتنوعة العالية الجودة الذاهبة باسم عمان لشتى دول العالم شرقه وغربه وكان خاتمة البرنامج بيت “السبحية” العريق الذي أسسه الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي وتعاقب عليه أبناءه وأحفاده وفي هذا المنزل العامر بعد وليمة الغداء الكبرى والضيافة الواسعة من قبل مضيفنا السخي الشيخ الجليل وإخوته وأبنائه وأفراد أسرته الكريمة بدأ تدفق المنظومات يتوالى طوال فترة العصر وبعد صلاة المغرب حتى صلاة العشاء ولم يتسع الزمن للإحاطة بكل ما أعد لهذه المناسبة وأصابت الحيرة الشاب القدير البليغ مقدم الحفل في كيفية إيجاد مساحة تفي باستيعاب الجميع واختصر البعض ما لديهم مكتفين بما تخيروه مراعاة لضيق الوقت ومنهم من غادر قبل وصول أدوارهم بسبب ظروفهم الخاصة التي حتمت عليهم الذهاب.

وكان يوما بهيا رائعا من أيام عمان احتضنته “سمائل” وفتحت له عواليها ومنخفضاتها وسائر آفاقها فاض فيه النظم ليغطي السهول والجبال ويعم مختلف الجوانب والجهات حتى أوشكت رحاب “سمائل” وسماواتها أن تغص بتدفقاته وانفلاتاته.

إنها لا شك فرصة جميلة من فرص الدهر أتيحت للقول أن يبرز ويتألق وللقائلين أن يحلقوا ويصدحوا بجديدهم في هذا اليوم المشرق الذي ملأ الجميع بالفرحة والسرور.

وهذا اللقاء الجميل سنة حميدة بدأت بسنها مدينة “الحمراء” من قبل كان المضيف فيها والداعي لها الشيخ غصن بن هلال العبري وابن عمه الشيخ سالم بن محمد العبري وإخوتهما وكان يوم “الحمراء” أيضا كيوم “سمائل” من الأيام البهيجة التي لا تنسى من حيث الجمع الكثيف الطيب الراقي وبرنامج الزيارات الممتع لمآثر “الحمراء” ومعالمها ومن حيث القول الجميل المنحدر من بواطن الوجدانات وأعماق المشاعر.

يوم “سمائل” هذا يجدد يوم “الحمراء” ذاك فهما يومان من أيام الأدب العطرة الجلية ومن أيام الكرم الغزير المبهر..

وفي الختام هذا ما تيسر لي قوله في هذا المشهد البهي وحفله الملتمع المتألق..

وأقدم قبل الختام كلمة تحية تقدير وشكر للجنة المشرفة والمنظمة التي تعبت وسهرت لكي يأتي اللقاء بهذه الروعة والسلاسة.

ثم في النهاية نتقدم بوافر الشكر وصادق العرفان لمضيفنا الشيخ محمد بن عبدالله الخليلي شاعرنا المبرز حامل راية الشعر من أسلافه العظام على هذا اللقاء الطيب الذي أتاحه لنا وعلى ما غمرنا به من كرم ضيافته وحسن رعايته والشكر كذلك نتوجه به إلى إخوته الأماجد الشيخ عبد الملك بن عبدالله والشيخ أحمد بن عبدالله والشيخ خالد بن عبدالله وجميع إخوتهم وأبنائهم وأفراد أسرتهم الكريمة.

ونكرر ونعيد ما سبق لنا قوله أن هذا اليوم السمائلي لهو من الأيام العمانية التي ستبقى ثابتة ثاوية في أعماق النفوس لا يمكن نسيانها مهما تقلبت أيام الزمن ومضت مسيرتها.

Your Page Title