أثير- محمد بن علي الوهيبي
كتبَ الله لي مجالسته، وكنت قدر الإمكان أحاول الاستفادة من علمه الغزير وفهمه العميق بحكم الجيرة عندما سكن بجوارنا في روي، وكان في ذلك الوقت معلمًا في مدرسة روي الثانوية للبنين في ثمانينيات القرن الماضي، وفي الوقت ذاته كان يتلو القرآن الكريم والابتهالات والأهازيج الدينية والمدائح والموالد النبوية (البرزنجي) في الإذاعة والتلفزيون العماني.
وكانت هذه التلاوات والقراءات تُعد من أهم التعبيرات الوجدانية والروحية.
“هيموني تيموني عن سواهم اشغلوني
عن سواهم مسلا هواهم
روحي فداهم ولو جافوني
أهل المدينة هم كرام
انعموا لي بالوصال… ”
حيث كانت تبث بشكل دائم بصوت الشيخ حسن الندي الأخاذ الذي يحلق بسامعه عندما يتنقل بين المقامات بسهولة ويسر، وفي بهاء نادر إلى عوالم علوية نادرة ومختلفة.
ويعّرف الإنشاد الديني بأنه: “مكون من مكونات ترويض السلوك، ورافد من الروافد المهمة التي يعتمد عليها ويتكئ عليها لنبذ التعصب والغلو والتشدد، لأن الناس عندما تتذوق فنًا راقيًا وجميلًا يتكون لديهم ذوق سليم، ذوق يقبل الاختلاف ويقبل الآخر، فإذا كان لدى المستمع أذن تربت على الذوق الراقي والفني فلا تملك إلا أن تكون قابلة للجماليات، وتنبذ كل المسائل التى بها تشدد وتطرف وخروج عن المنهج الإسلامي الوسطي المعتدل”.
وكان يحلو للشيخ حسن أن يناديني باسم الزميل بعدما علم أنني اتخذت التعليم مهنةً، وكنت أرد عليه محاولًا مجاراته في نطق حروف اللغة العربية بكل قواعدها
زميل أينَ الثَّرَى مِنَ الثُّرَيَّا يا شيخُ حَسَن.
ليبتسم ضاحكا بعدها ويدعوني لأتشرف بالجلوس معه في حضرته البهية.
كما أن لهذا الشيخ الجليل أشعارًا وأناشيد وطنية رددها صاحب الصوت الشجي والقوي عبدالله الصفراوي مثل: “هاتف البشرى، وموطن الأحرار…”.
وهذا أيها القارئ العزيز غيض من فيض سيرة هذا الشيخ التي لم نُحسن فهمما ومعرفتها والاستفادة من الشيخ حسن كما يجب، وأنا هنا ألوم نفسي وكسلي الأزلي في قلة السؤال عنه ومتابعة أخباره بعد انتقال مقر سكنه من روي قبل لوم الآخرين إلى أن سمعت بخبر رحيله عن هذه الفانية في العام الماضي.
ونعته برق عُمان :”القارئ الشيخ حسن بن محمد الفارسي في ذمة الله.
الشيخ المقرئ الحافظ لكتاب الله خريج الأزهر الشريف في أوائل السبعينيات والمدرس لمادة التفسير في المعهد الديني بالوطية سابقًا ومدارس مسقط قبلها والمضطلع بعلوم اللغة العربية. إنا لله وإنا إليه راجعون.”
وهنا يحق لي أن أتساءل وربما يشاركني الكثير في هذه الاستفهامات هل ما زالته تسجيلاته الإذاعية والتلفزيونية موجودة في الإذاعة والتلفزيون العماني؟ وإذا كانت موجودة وأعتقد جازمًا أنها متوافرة لماذا لا تذاع وتبث خاصة في هذه الأيام المباركة؟! ليعرف الجميع أن لدينا في بلادنا علمًا من أعلام التلاوة والإنشاد الديني لنفخر به كما تفتخر مصر الكنانة بنصر الدين طوبار والنقشبندي ومحمد عبد الباسط عبد الصمد ومحمود خليل الحصري، وغيرهم من القراء والمنشدين على امتداد خارطة الوطن العربي الذين وهبهم الله أصواتًا من الفردوس سحروا بها أسماعنا.