أثير- موسى الفرعي
أصبحت الرؤية في عالمنا ضبابية إلى حد كبير، وأصبحت الإنسانية غير واضحة الملامح لدى البعض؛ أليست هي جوهر كل شيء ومحور الأديان، فكيف يمكن للإنسان أن يصدر قراراته وأحكامه مبنيةً على تدينه لا دينه، ناسفا بذلك أن الدين هو اعتقاد يولّده القلب، وهو فهم صحيح لمجريات الأمور، وسلوك طيب يدعو إلى التحاور والتفاهم.
ولماذا يُنصّب البعض أنفسهم ناطقين باسم الله، مالكين قرار من يدخل الجنة ومن يدخل النار، فمثل هؤلاء يعانون اعوجاجا حادا في آدميتهم، فما أُرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رحمة للعالمين، رحمة وليس عتوا وتكبرا وغلظة وقسوة، وللعالمين وليس المسلمين فقط، بل ليس للبشر فقط، ذلك هو الأساس الذي قامت عليه خاتمة الرسالات، فكيف يطيب لأي إنسان بعد ذلك أن يكفّر ويقصي كل من كان مخالفا لدينه أو مذهبه، وكيف يقبل المنطق في أي دين أن نترحم على قاتل أو مجرم لأنه على ديننا، ونلعن ونحرّم الترحم والعفو على إنسان نذر نفسه للإنسانية، أو قام بأعمال صالحة منبعها جوهر الدين لمجرد أنه مخالف له.
ما أضيق الأفق وما أكبر الغرور الفارغ لدى مدعي المعرفة الكاملة القادرة على تحديد الصواب من الخطأ ومعرفة ما تخفي الصدور، فمتى نتوقف عن تشويه الإنسان، وندرك أن الدين والأرض لله وحده لا شريك له، وأنه العدل والكرم المطلق، لماذا نقرأ لكتّاب أثروا المعرفة وزادوا من سعة العقول طالما هم غير منتمين لديننا، ولماذا استقى الغرب الفلك والرياضيات والطب من مخالفين لدينهم، لماذا لا نحيا من أجل الإنسانية والآدمية التي فطرنا عليها، ونبصر الأشياء من خلال ذلك، ونترك لله الجزاء والثواب فهو المالك والملك، ونتيقن أن الإنسان مسكن للدين فإن صلح المسكن صلحت رؤيتنا وتعاملنا وطريقة عيشنا، وإن فسد فسدت الحياة، وذلك دليل على أن الدين مصفّى من شوائب الإنسان المكتسبة من ماديات هذه الحياة، إذًا فإن العيب إن وجد فهو في التلقي والممارسة، والدين بريء، وقد قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ( الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ) وما أعظمها من معادلة تحقق اتزان الوجود وتمحو الكراهية وتلغي الحروب لو عمل بها الناس.
حُرِّر في الكويت ١٥مايو ٢٠٢٢م.