أثير- ناصر الحارثي
تلهمنا كثيرا قصص النجاح العظيمة التي تتحقق بعد السقوط المتكرر في قاع الفشل مرة تلو الأخرى، هذه القصص لديها مفعول السحر لإيجاد الأمل المتوهم الذي نسعى إليه كل يوم ليصنع المعجزات في حياتنا وتحقق الثراء السريع، ولكن هل هذه القصص واقعية وهل فعلا النجاح هي عملية شديدة البساطة كما في قصص النجاح وتنمية الذات وأفلام السوبر مان، أحاول في هذا المقال الاقتراب أكثر من الفجوات المفقودة في هذه القصص.
يعيش كل واحد منا حياة شبه عادية منذ استيقاضه في الصباح إلى عودته للسرير مرة أخرى في الليل، ورغم أن هذا الروتين يبدو أقرب للروبوت في نمطه المتكرر إلا أنه في الحقيقة في غاية التعقيد عند الولوج في التفاصيل الذهنية والنفسية للفرد الواحد، فهو يسير في الطريق نفسه يوميا بمشاعر مختلفة وأفكار متباينة ويتفاعل مع من حوله بطرق متعددة، وهذه التفاصيل تتصاعد في وتيرتها وتنخفض بشكل تدريجي، لذا يفضل الناس الابتعاد عن هذه التفاصيل فكما يقال: “الشيطان يكمن في التفاصيل”، واستبداله باللجوء إلى القصص الملهمة ذات المفعول السحري التي تأخذ الإنسان من الفشل المخيف إلى النجاح العظيم، فمثلا عندما نسمع عن قصة نجاح بعد فشل مثل قصة الملياردير الصيني جاك ما الذي فشل في الحصول على وظيفة في مطعم كنتاكي أو الالتحاق بجامعة أمريكية، وبعدها خطرت في باله فكرة لتأسيس موقع ينافس أمازون و إي باي، فهي قصة ملهمة بلا شك وهي أجمل من القصص التاريخية والأفلام الهوليودية وعروض سبايدر مان في إنقاذ مدينته لأن الرجل يعيش معنا ونشعر بتأثير شركته في رفد الأسواق بالمنتجات، ومع ذلك فإننا عندما نتحدث عن قصة حياته نأخذ من القصة العبارة الأكثر تأثيرا في الفشل والأكثر تأثيرا في النجاح ونمحو تفاصيل في غاية الدقة والأهمية في حياة جاك ما، نتناسى مثلا طفولته الساعية إلى تعلم لغة أجنبية والحصول على مصدر دخل إضافي وتطوير مهارات التعامل مع البشر إلى الكفاح في ريعان شبابه ومراحل البحث والاكتشاف والاغتراب والعمل المضني وتطوير القدرات والمعارف في سلم صعود مليء بالمطبات تارة والفرص تارة أخرى.
في أحد اللقاءات التي جمعت الملياردير الصيني جاك ما مع مجموعة من الشباب المتحمسين لقصة نجاحه سألوه هل سبق لك أن بكيت بعدما أصبحت مليارديرا؟ أجابهم بالطبع وأوضح بأنه لطالما بكى لاختياره التجارة على الحياة الاجتماعية واختياره الظهور الإعلامي على الخصوصية، وفي أحد المرات قال أنا نادم على أشياء كثيرة في الحياة، ولو كان لي المجال لما اخترت هذا الطريق ولكن الحياة قصيرة.
لا نحاول الاستخفاف والتقليل من تجارب الأثرياء العصاميين ولا تمجيدها فليس علينا أن نقف بين طرفي نقيض لنحدد موقفنا تجاه شخص ما وتجربته في الحياة، بلا شك أن الأشخاص الملهمين والناجحين في عالم الثروات والأعمال هم قلة وعملة نادرة لذلك تستميت الدول في استقطابهم مهما كانت خلفياتهم الثقافية والاجتماعية، ولا توجد مواصفات دقيقة لمحاولة توصيفهم كما تفعل مجلات ريادة الأعمال لإلهام رواد الأعمال، لكن علينا أن ندرك بأن قصص نجاحهم تتمحور في مسألة النمو في عالم المال والأعمال وهي خاضعة لظروف وعوامل متباينة وعلى الرغم من اتساع وتعقيد عالم الأعمال إلا أن الحياة أكثر اتساعا وتفاصيلها أكثر تعقيدا، فعلينا أن ندرس تجارب البشر بعمق حتى نصل إلى نتائج أكثر دقة بدل السعي وراء تجارة الأمل الكاذب.