فضاءات

الشاعر العربي الكبير “أدونيس” يكتب لـ”أثير” : مخطوطات هيّ بن بيّ

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

خاص- أثير
كاتب المقال: الشاعر العربي الكبير أدونيس


نشر الشاعر العربي الكبير أدونيس خلال الفترة الماضية مجموعة من المقالات بصورة حصرية في “أثير”، ونعيد نشرها للقارئ الكريم.

مخطوطات هيّ بن بيّ
أدونيس


الورقة الأولى

– 1 –

أحبّ السماءَ التي لا أراها، ولا أعرف ما هيَ، أكثر ممّا أحبّ الأرضَ التي لا تفارقني ذراعاها. ولا أعرف لماذا؟
​هكذا أعيش في جدليّةٍ تراجيديّة:
​أطاردُ المعنى الذي يطاردني هو نفسه.


– 2 –

سألني صديقي هَيّان بن بيّان عن رأيي في الكتابة، شعراً ونثراً. فكتبت له رسالةً لم أرسلها حتى الآن. جاء فيها:
​« لا تنطلق هذه الكتابة، بالنسبة إليّ، من الفكرة إلى الصورة. تنطلق على العكس من الصّورة. من الحاسّة والمخيّلة. الصورة هي التي تُوَلِّد الفكرة.


​تقوم الكتابة، شعراً على الصورة – الفكرة، وليس على الفكرة – الصورة ».

– 3 –

خلافاً لمنطق « لسان العرب »، قلتُ مرّةً لسائلٍ ذكيٍّ كاد أن يُحرجني:
​العالم الذي أعيش فيه وأنتمي إليه، هو أنا أكثر مما أنا أنا.
​مثلاً: دين الإنسان هو، نظراً وعملاً، هذا الإنسان نفسه، مُسبّقاً. والإنسان يجد نفسه وهويّته في دينه، وليس في أناه أو ذاتيّته.
​وفي هذا يبدو الإنسان كأنّه موجودٌ بما ليسَ هُوَ: بغيرِه، لا بذاته.
​هكذا يستطيع المتديّن أن يقول:
​« الدّينُ هو أنا، أكثر ممّا أنا أنا »




– 4 –

لماذا لا تصل السّماءُ في سفرها إلى الأرض، إلّا متأخّرةً، دائماً؟
​أسأل، ولاأنتظر جواباً.


– 5 –

​عندما تهيمن ذاكرة الإنسان على فكره، يفقد قدرته على التأمل والبحث. يفقد كذلك كينونته الفعّالة الطامحة.

– 6 –

​بلى، أشعر فيما أنظر إلى سطح أمّنا الأرض، كأن ثلجَ الأبديّة يجثم كثيفاً على جسم التاريخ، وعلى تاريخ هذا الزمان. الآلة هي هذا الثلج.
​وقل لي كيف تستخدمُ الآلة، أقل لك من أنت.


– 7 –

لي شَغَفٌ آخر:
أن أتوهّمَ بيتاً على شاطئٍ يبدو للناظرِ إليه، كأنه جوف حوتٍ أخضر.
أن يزورني في هذا البيت أصدقائيَ، أولئك الذين يعيشون في سهوب المخيّلة، ويقرأون الآثار التي تركها سُكّان الكواكب.
تُراني الجائع الدائم الذي يُصرّ على أن يصنعَ خبزه من فُتاتِ الشّهب؟
​من يقول لي، إذاً، كيف أقدر أن أفسّر الثقافة التي ينحدر منها رأسي، وتنحدر لغتي،
​تلك الثقافة التي تؤكد لي أن الغُراب، مثلاً، وإن كان له جناحان،
​ليس في الواقع والممارسة إلّا تيساً أبيض؟




*

*

شرارة

بيروت – أوه، كم تقدم الزّمن في تسلّقه العمودَ الفِقَريَّ لمحيطِ المعنى. شفاهٌ – آثار عطَشٍ، تشقّقات. عيونٌ – مداراتٌ لا تعرف أين تتجه، وكيف؟ صَخَبُ حديدٍ صَدئٍ. ناقلاتُ أحزانٍ وأوجاعٍ تأتي وتمضي في ظلالِ أعلامٍ وشعاراتٍ ولافتاتٍ تكادُ أن تصرخَ في وجوه من ينظرون إليها: دَعُوني! دعوني!
حُمّى لَغَطٍ.
فوضى نبوءاتٍ.
أبجدّية ظلُماتٍ تبتكر حروفَها يوماً يوماً.



مجازر تتنقّل في عرباتٍ يبتكرها الغَرب العربيّ ويباركها، ويقودها. دانتيلّا ثقافاتٍ وسياساتٍ وتجاراتٍ أُعطيَ لها أن تمتلكَ أسنانَ السّماء.
كيف نؤاسي الغَسق؟
كيف نأخذُ بيديه؟
وبأيةِ لُغَةٍ سنتكلّم؟



Your Page Title