أثير- موسى الفرعي
لا شيء يعادل الحياة مهما طغت فتنة الطبيعة، ومهما أخذتنا الأماكن بسحرها وجمالها، ولا شيء يمكن أن يبرر استهتار البعض وعدم التزامهم بمحاذير الموت المستعد دائما، هكذا بين غمضة عين وانتباهتها يتم الانتقال من الحياة إلى الموت، ويستبدل الفرح بالحزن الدائم، وجب على كل واحد منا أن يتباعد عن أسباب الهلاك ويجنبها من هم تحت مسؤوليته، يقول الحق تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وإن كانت الآية نزلت لمناسبة مختلفة عن موضوع حديثنا إلا أن الإجماع من أهل العلم ذهب إلى هموم اللفظ والقياس للنهي عن قتل النفس وإيذائها وإلقائها إلى التهلكة مهما تعددت واختلفت الطرق، وكم من مرة يتكرر مشهد الموت غرقا في لحظات احتفالنا بنعمة الله، فأين هؤلاء من إحساسهم بالحياة وأين اهتمام أولي الأمر ومراقبة الأبناء وأفراد العائلة الذين ينبغي توعيتهم ومراقبتهم وتنبيههم، كما وجب علينا جميعا توعية من هم تحت مسؤوليتنا من بشر تركوا ذويهم من أجل لقمة العيش وضمان حياة كريمة، فقد جاء بعضهم من أجل ذلك، غير أن استهتارهم بالقوانين وقوى الطبيعة قاد إلى الموت، هؤلاء إخوة لنا في الدين أو نظراء في الخلق، والمسؤولية تجاه أنفسنا وهؤلاء كلهم تكمن في الحفاظ على الحياة، فزوال الحياة أمر لا يستعاد بعد أن يزول، ولا يمكن تداركه بإصلاح بعد أن يقع؛ لذا علينا أن نزن معنى الحياة ونراها بجدية وانضباط، لا باستهتار غير مبرر، أو بفرح مؤقت يؤدي بنا إلى الهلاك.
كم هي موجعة أخبار الموت التي نسمع عنها ونشاهدها في مثل هذه الظروف المناخية، صحيح أننا ندرك أن الزوال حقيقة مطلقة لكل شيء إلا الواحد الأحد، لكن ينبغي لهذه المعرفة أن تجعلنا أكثر تمسكا بما قدّره الله لنا من حياة، لا أن ننقصها بتصرفات متهورة غير مقدّرة، لذا علينا أن نفكر في الموت بصفته واقعا لا يمكن دفعه، لكن هذا التفكير هو تفكير بالحياة أيضا كما أشار (إسبينوزا)، وإن من المفارقة أن الجنس البشري ظل يبحث عن الخلود عبر العصور حباً وتمسكا بالحياة، أما اليوم فإن البعض يتنازل عن حقه في الحياة بمثل هذه التصرفات غير المسؤولة، فما نراه ونسمع عنه ليس وجها من أوجه الشجاعة وحب الحياة أبدا.
رحم الله من انتقل إلى رحمته. وحفظ الله لنا ولكم أحبابنا، وعلينا أن نعمل بأسباب الحفاظ والحرص لا أن نلقي بأيدينا إلى التهلكة.