أثير – د. رجب بن علي العويسي خبير الدراسات الاجتماعية واللغوية في مجلس الدولة
جاء الاهتمام بتعليم المرأة العمانية تأكيدا للمرتكزات التي انتهجتها نهضة عمان الحديثة بقيادة باني نهضتها الحديثة المغفور له بإذن الله تعالى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، حيث كان تعليم المرأة العمانية هاجسه الأكبر في ظل سنوات الحرمان من التعليم الذي عانت منه المرأة العمانية قبل عام 1970، لتفتح المدارس أبوابها للرجل والمرأة سواء، ويكون للمرأة نصيبها الوافر والوافي من التعليم، كما هو نصيب الرجل كل حسب استعداداته وطاقاته الفكرية، لتنطلق المرأة العمانية حاملة حقيبتها المدرسية ميممّة شطر المدرسة طلبا للعلم والمعرفة، الأمر الذي في المرأة العمانية دافعها المتوقد نحو البناء والتطوير والمشاركة في كل مجالات الحياة مع المحافظة على دورها في بناء الأسرة الصالحة والمواطنة المنتجة والشخصية العمانية القادرة على اللحاق بركب الحضارة الإنسانية.
وشكّل تعليم المرأة في سلطنة عمان ثوابت أصيلة ومرتكزات حاكمة جاءت نهضة عمان المتجددة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه-، للبناء عليها والاستمرار في خط سير النهوض بها، ليكون السابع عشر من أكتوبر يوم المرأة العمانية محطة تاريخية مهمة تقف على واقع المرأة، والدور الذي يجب أن تؤديه في مسيرة التنمية، والفرص والممكنات التي تصنع للمرأة حضورا نوعيا في تحقيق مستهدفات رؤية عمان 2040، حيث ورد “إن شراكة المواطنين في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها دعامة أساسية من دعامات العمل الوطني، ونحرص على أن تتمتع فيه المرأة بحقوقها التي كفلها القانون، وأن تعمل مع الرجل جنباً إلى جنب، في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها ، مؤكدين على رعايتنا الدائمة لهذه الثوابت الوطنية، التي لا مُحيد عنها ولا تساهل بشأنها”.
على أن التشريعات والقوانين والإجراءات التي اتخذتها سلطنة عمان فيما يتعلق بتعليم المرأة والمساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص التعليمية، وفرت إطارا عاما للعمل من أجل دعم تمكين المرأة وزيادة قدرتها التنافسية في سوق العمل، فالتعليم في سلطنة عُمان حق أساسي لجميع المواطنين، تلتزم الدولة بمجانية التعليم لجميع الطلاب بصرف النظر عن جنسهم، أو وضعهم الاجتماعي، أو خلفياتهم الثقافية، أو مكان إقامتهم، وذلك للقناعة بأنّ التعليم طريق العدالة وتحقيق المساواة، حيث جاء في المادة (15) من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني (6/ 2021) أنّ “العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع، تكفلها الدولة”، كما جاء في المادة (16) من النظام الأساسي للدولة “التعليم حق لكل مواطن”، “التعليم إلزامي حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي”. “وتعمل الدولة على مكافحة الأمية”، فالنظام الأساسي للدولة يوفر فرصاً متساوية في التعليم لكل فرد، لا فرق فيه بين الرجل والمرأة، متخذة كل الإجراءات الساعية نحو تضييق فجوة الفروق بين الجنسين لتجني سلطنة عمان ثمار سياساتها في توفير تعليم أساسي شامل ومجاني للجميع وللجنسين بالتساوي، كما سعت من خلال جهودها القائمة على مجانية التعليم الأساسي وتكافؤ الفرص التعليمية وتحقيق مبدأ حق كل فرد في التعليم إلى تعزيز وعي أولياء الأمور بأهمية التعليم وبضرورة تشجيع أطفالهم على الالتحاق بالمدارس لتحقيق الحياة الكريمة والرفاهية لهم في الحاضر والمستقبل، الأمر الذي عزز من ثقة العالم في النظام التعليمي بالسلطنة.
وظلت المرأة العمانية حاضرة في فكر جلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه، بما أولاه إياها من رعاية واهتمام ودعم متواصل كونها الشريك الأساسي مع شقيقها الرجل في البناء والتطوير، ولها حضورها المؤثر في التنمية المستدامة، ودورها يتعدى مفهوم تحقيق ثروة مادية وبناء اقتصاد متنوع إلى تكوين المواطن القادر على الإسهام بجدارة ووعي في مسيرة النماء والبناء الشامل وذلك من خلال تطوير قدراته الفنية والمهنية وحفز طاقاته الابتكارية والعلمية وصقل مهاراته المتنوعة، لذلك لم تكن مصادفة أن تتمتع المرأة العمانية بكامل حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والوظيفية والتشريعية ومشاركتها في كل تفاصيل العمل الوطني، فهي تمثل رقما صعبا في البنية السكانية لسلطنة عمان، حيث كانت نسبة حضور المرأة في إحصائيات 2020 وفقا لبيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، 49.6% من إجمالي السكان العمانيين، كما أن استحقاقات التمكين وصولا إلى الوعي والريادة والتمكن والمنافسة نتاج لحضور المرأة التعليمي، حيث شكلت نسبة الطالبات العمانيات الدارسات في المدارس الحكومية للعام الدراسي 2020 / 2021 م 49.3 % . كما أن أعداد الإناث المقبولات في مؤسسات التعليم العالي في عام 2020/ 2021 بلغت (17.101) الف في مقابل ( 14,969 ) للذكور، وارتفعت نسبة الإناث العمانيات من مخرجات التعليم العالي في العام الأكاديمي 2019 / 2020 م لتصل إلى ( 14,037) مقابل ( 9,301 ) للذكور.
وتبقى هذه المؤشرات السريعة محطة تحول في تأكيد دور التعليم في تشكيل شخصية المرأة العمانية في صياغة مجريات التنمية الوطنية على مدى العقود الخمسة الماضية، وأن ما حصلت عليه من فرص واستحقاقات تعليمية محققة لمبدأ العدالة الاجتماعية والتكافؤ الفرص؛ إنما يستهدف إنتاج فكر متجدد يعمل على نشر الوعي الصحيح بدور المرأة ومكانتها بما يعزز من تطلعاتها المستقبلية، وفي ظل نضوج الممارسة المهنية للمرأة العمانية التي أفصحت عنها العقود الخمسة الماضية في كل مواقع العمل والمسؤولية، واكتمال البنية المؤسسية الحاضنة للمرأة والأسرة، واكتمال البناء المؤسسي والتشريعي، ممثلا في النظام الأساسي للدولة وجملة التشريعات والقوانين النافذة، فإن المرأة العمانية مدعوة اليوم إلى الاستفادة من النهج والأطر والمدخلات التعليمية والتدريبية التي أتيحت لها في تقوية هذا الدور، باعتباره الطريق لضمان صناعة الوعي سواء بطبيعة المتغيرات التي يشهدها العالم المعاصر، والظروف التي باتت تشكله، والآليات التي يتطلبها، والموجهات التي يعتمد عليها، والتحديات الفكرية التي باتت تواجهها المرأة العمانية في ظل الفضاءات المفتوحة، وما يظهر من انتشار الأفكار التحريضية ضد القيم والفضيلة والمبادئ والتي تستهدف المرأة بالدرجة الأولى باعتبارها حاضنة المجتمع وصانعة أجياله، وطريق نجاحه وقوته، بما يتيحه الوعي الناتج عن التعليم للمرأة من ادراك الحقوق والواجبات والمسؤوليات في إطار القيم والمبادئ والاخلاقيات والموجهات الدينية والهوية الوطنية والثوابت والمبادئ العمانية باعتباره الطريق الذي يضمن للمرأة العمانية قدرتها على صناعة الفارق، الأمر الذي يسهم في تمكين المرأة من الوعي بمخاطر الأفكار الإلحادية والنسوية والمؤثرات الفكرية لضمان صون كرامتها والمحافظة على استدامة دورها في بناء الأسرة وتكوين الأجيال، باعتبارها الوظيفة الفطرية الأولية للمرأة التي تستوعب منها مجريات الحياة ومتطلبات الواقع؛ فإن استشراف دور تعليم المرأة العمانية وتدريبها في صناعة الوعي من شأنه أن يبقى كل خيوط التواصل مفتوحه وجسور الاتصال ممتدة في كل ما من شأنه تحويل هذه الأفكار والمعلومات والخبرات والتجارب والبرامج التعليمية التي تحققت للمرأة العمانية كطالبة في المدرسة والمعهد والكلية والجامعة أو موظفة على رأس العمل، وتحويلها إلى سلوك منافس، عبر مبادرات جادة وبرامج مهنية وتطبيقات عملية وسياسات وخطط تعمل المرأة العمانية على استنطاقها في مسيرتها الاجتماعية والحياتية والأسرية كزوجة وأم وبنت إلخ، أو مسيرتها المهنية كموظفة (وزيرة ووكيلة وسفيرة ومديرة عامة وطبيبة ومديرة مدرسة ومعلمة إلخ).
أخيرا يبقى على المرأة العمانية وهي تحتفل بيومها السنوي أن تثبت قدرتها على تحقيق معادلة القوة في توظيف هذه الفرص لصناعة التوازن المعبر عن سلوك الوعي والمؤصل لنهج المبادئ والثوابت العمانية، فتحافظ على خصوصية الدور وهويته ليعبر عن فطرة وغريزة الأمومة التي خلقها الله في المرأة لتمارس دورها الأمومي في رعاية الأسرة وتربية الأبناء محلقة بهم في سموات العالم حاملين القيم والهوية والأخلاق والمواطنة كما يحملون العلم والمهارة والمنافسة؛ إلى امتلاكها للكثير من الموجهات والدعامات والأطر التي تعزز من قيامها بهذا الدور والمسؤولية بصورة أكثر كفاءة ومهنية لتنعكس على الأبناء في قوة ما يحملونه من معرفة وتجربة وثقافة وفكر وقدرة على التعامل مع الظروف وإدارة التحديات، ليكون وعيها الحقوقي والقانوني ومسارها الوظيفي والمهني وتخصصها في مختلف مجالات العلوم والمعارف وموقعها في كل مواقع العمل والمسؤولية، محطات قوة لصناعة الوعي وإنتاجه في حياة المرأة وسلوكها لينتقل إلى الاستثمار في الأبناء وتعظيم القيمة المضافة في الرأسمال الاجتماعي البشري.