أثير- الدكتور بدر المسكري، كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس
صدر المرسوم السلطاني رقم 69/2022 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجزائية، ويسلط هذا المقال عبر “أثير” الضوء على هذا التعديل للوقوف على مدى تأثير هذا التعديل على فعالية الأحكام الصادرة من المحاكم المختلفة ضد وحدات الجهاز الإداري بالدولة.
في البداية نستعرض المادة 4 مكررًا من قانون الإجراءات الجزائية العماني التي تنص على أنه “يجوز لمن أصابه ضرر من الجريمة المنصوص عليها في المادة (230) من قانون الجزاء أن يرفع دعواه مباشرة إلى المحكمة المختصة وعلى أمانة سر المحكمة إخطار الادعاء العام بنسخة من صحيفة الدعوى لمباشرة الدعوى العمومية، ولا يجوز رفع الدعوى على رؤساء وحدات الجهاز الإداري وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة إلا بعد الحصول على إذن من الجهة المختصة، ويصدر الإذن من مجلس الوزراء بالنسبة لرؤساء وحدات الجهاز الإداري للدولة ، ويقدم طلب الإذن من المدعى العام بناء على طلب المضرور مصحوباً بالمستندات المؤيدة له”.
وتنص المادة (230) من الجزاء العماني على أنه “يعاقب بالغرامة من 100 ريال عماني إلى 1000 ريال عماني كل موظف مختص امتنع أو عطل عمدًا تنفيذ حكم قضائي أو قرار قضائي بعد مضي 30 يومًا من إنذاره بالتنفيذ …”. يتضح من قراءة المادة حرص المشرع على تنفيذ الأحكام الصادرة من القضاء وعدم التأخير في حصول الصادر لصالحه الحكم على حقه في وقت قصير وهذا أمر محمود ومتوافق مع فكرة العدالة الناجزة ومع قانون تبسيط الإجراءات وذلك لتيسير حصول أصحاب الحقوق على حقوقهم.
وبالعودة للتعديل التشريعي محل البحث، نجد أن التعديل فرق بين فرضين في حالة ارتكاب جريمة الامتناع أو التعطيل العمدي لتنفيذ حكم أو قرار قضائي. الفرض الأول: إذا ارتكبت الجريمة من غير رؤساء وحدات الجهاز الإداري وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، فللمضرور أن يرفع دعواه مباشرة إلى المحكمة المختصة. أما الفرض الثاني: فقد منع المشرع المضرور من الجريمة المنصوص عليها في المادة (230) من قانون الجزاء أن يرفع دعواه مباشرة إلى المحكمة المختصة إذا أراد أن يرفع دعواه على رؤساء وحدات الجهاز الإداري وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، بل عليه تقديم طلٍب للادعاء العام، فضلاً عن وضع قيدٍ على تحريك الدعوى الجزائية يتمثل في الحصول على إذن مجلس الوزراء.
ويطرح الفرض الثاني سؤالًا على بساط البحث يتمثل في مدى دستورية التعديل، خاصة في مدى اتفاقه مع نص المادتين (30)، (81) من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 6/2021. إذ تنص المادة (30) على أن “التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ويبين القانون الإجراءات والأوضاع اللازمة لممارسة هذا الحق …”. فمن المقرر قانونيًا أن حق التقاضي يتطلب إلى جانب تيسير وصول كل شخص إلى قاضيه أن يكون الفصل في الخصومة من خلال محكمة تتوافر لها الحيدة والاستقلال وحصانة أعضائها، وخلال مدة معقولة لا تستطيل دون مبرر، تحقيقًا للغاية النهائية التي ينشدها رافع الدعوى التي تتمثل في الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم. وتندمج هذه الترضية في الحق في التقاضي، باعتبارها المرحلة الأخيرة فيه؛ لأنها ترتبط بصلة وثيقة بالأهداف النهائية للخصومة القضائية؛ ذلك أن هذه الخصومة لا تُقام للدفاع عن مصالح نظرية، وإنما غايتها اقتضاء منفعة يقرها القانون. وبالتالي وأمام حرص المشرع الدستوري على ضمان إعمال هذا الحق يثور التساؤل حول التمييز الذي أجراه المشرع العادي بين المضرور من الجريمة المنصوص عليها في المادة (230) من قانون الجزاء إذا أراد أن يرفع دعواه على رؤساء وحدات الجهاز الإداري وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، وبين المضرور من الجريمة ذاتها الذي يرفع دعواه على غيرهم، فمنع الأول من طريق الدعوى المباشرة وفرض قيد الإذن على تحريك الدعوى الجزائية وسمح للثاني بسلوك طريق الدعوى المباشرة مع تحرير دعواه من كل قيد. إن الإخلال بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادة (15) من النظام الأساسي للدولة، يقتضي من المشرع العادي عند تنظيم الحقوق أن تنظمها قواعد موحدة، سواء في مجال التداعي بشأنها، أو الدفاع عنها، وكلما كان التمييز في مجال طلبها من خلال الخصومة القضائية، أو اقتضائها بعد الفصل فيها غير مبرر كان هذا التمييز منهياً عنه دستورياً، بما لا يجوز معه قصر مباشرته على فئة دون أخرى أو إجازته في حالة بذاتها دون سواها، أو إرهاقه بعوائق منافية لطبيعته.
كما تنص المادة (81) من النظام الأساسي للدولة على أنه “تصدر الأحكام وتنفذ باسم السلطان، ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون، وللمحكوم له في هذه الحالة حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة إلى المحكمة المختصة”. إن التعديل التشريعي بمنع المضرور من الجريمة المنصوص عليها في المادة (230) من قانون الجزاء في حالة تحريك الدعوى الجزائية على رؤساء وحدات الجهاز الإداري وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة من رفع الدعوى الجزائية مباشرة إلى المحكمة المختصة يضع هذا التعديل على محك عدم الدستورية لصريح نص المادة (81) من النظام الأساسي للدولة.
كما تجدر الإشارة إلى أن مجلس الوزراء لديه الكثير من المهام والاختصاصات الإستراتيجية التي يعمل بشكل مستمر على إنجازها ولا يمكن شغل المجلس الموقر بأعمال ثانوية غير أساسية مثل طلب الإذن من أجل تنفيذ حكم قضائي ضد رئيس وحدة.
ولأمانة العرض، فإن هناك وجهة نظر تذهب إلى أن إذن مجلس الوزراء لرفع الدعوى الجزائية على رؤساء وحدات الجهاز الإداري أشبه بالإذن الذي تطلبه المشرع من المجلس المختص لاتخاذ أي إجراءات جزائية ضد عضو مجلس الدولة أو عضو مجلس الشورى، وبالتالي يكون الأمر مشروعًا قياسًا على الحصانة الممنوحة لعضو مجلس عمان. لكن هذا الرأي مردود عليه بأن الحصانة لعضو مجلس عمان هي استثناء على الأصل العام لا يجوز فيه القياس، فضلاً عن أن حصانة عضو المجلس ما هي إلا ضمانة لتمكين العضو من أداء مهامه الرقابية بحرية كاملة حماية له من الاتهامات الكيدية التي يكون هدفها إثناؤه عن أداء مهامه البرلمانية، وبالتالي فإن فسلفة الحصانة لا يمكن سحبها على الوزراء وغيرهم من رؤساء الوحدات في حالة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية.
وتظل كذلك في النهاية وجهة نظر أخرى بها قدر من الوجاهة تحتاج لمزيد من النقاش تُرجع فلسفة التعديل التشريعي إلى أن طلب إذن مجلس الوزراء قبل تحريك الدعوى الجزائية ضد رئيس الوحدة الممتنع عن تنفيذ الحكم القضائي قد يكون دافعًا لرئيس الوحدة المتعنت في التنفيذ إلى المبادرة لتنفيذ الحكم خشية المساءلة السياسية أمام مجلس الوزراء إذا ما عرض الأمر على المجلس لاستصدار الإذن، وفي الوقت ذاته يعطي فرصة لرئيس الوحدة الذي لم ينفذ الحكم بسبب عقبات في التنفيذ ترجع لجهات أخرى خارج إطار ولايته القانونية، أن يعرض هذه العقبات على مجلس الوزراء لدراستها وتذليلها تمهيدًا لتنفيذ الحكم القضائي. وفي الختام نوصي المشرع العماني بمراجعة التعديل المذكور سلفا وذلك لتحقيق العدالة الناجزة التي تهدف رؤية عمان 2040 لتحقيقها.