أثير- عبدالرزّاق الربيعي
حين نذهب إلى حفل موسيقي في كل مكان، نرى أشخاصا من جنسيات مختلفة، تتكلم بلغات شتى، لكننا لن نحتاج إلى مترجم، فلقد شكّلت الموسيقى لغة تواصلية مشتركة بين شعوب العالم، وهذا ما رأيناه خلال حضورنا عروض دار الأوبرا السلطانية مسقط، وآخرها كان احتفالها الذي أقامته ضمن احتفالات السلطنة بعيدها الوطني الثاني والخمسين المجيد، في ظلّ القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظّم – حفظه الله ورعاه، تحت عنوان (الموسيقى العسكرية: من عُمان والعالم ) وكان برعاية صاحب السمو السيد شهاب بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع.
وعلى مدى حوالي ساعة ونصف، فاضت في وجداني مشاعر البهجة، والفرح، والزهو، وهي، بلا شك، مشاعر غمرتْ قلوب الكثيرين الذين شاركوني متعة حضور الاحتفال الذي اعتادت (الأوبرا السلطانية) إقامته بشكل سنوي، مساهمة منها في المناسبات الوطنية، وتأكيدا على انفتاح عمان على مختلف ثقافات العالم، وتعزيز التعاون الثقافي، ومدّ جسور المحبّة مع شعوب العالم عبر الموسيقى، والغناء، وفنون الأداء.
حين وصلت بناية دار الأوبرا السلطانية مسقط، في الوقت المحدّد، وجدت الحركة ليست عاديّة، وانتشارا لرجال الشرطة الذين كانوا على أتمّ الاستعداد، إلى جانب العاملين في الدار، لاستقبال، وتنظيم ودخول الجمهور المحتشد، الذي حمل البعض منه الأعلام العمانية، أخذت مكاني في أحد المدرّجات التي جرى تركيبها في الساحة الخارجية للدار، حيث توزّع الجمهور على شكل مربّع، ثلاث جهات منه مفتوحة، فيما انتشرت الفرق العسكرية المشاركة في الضلع الرابع والساحة، ووقفوا رجالا ونساء وقفة نظاميّة عسكريّة وهم يحملون آلاتهم الموسيقية، ينتمون لعدّة فرق هي: فرقة الحرس السلطاني العُماني، و”موسيقى الجيش السلطاني العُماني”، و”البحرية السلطانية العُمانية”، و” موسيقى شرطة عُمان السلطانية”، و”سلاح الجو السلطاني العُماني”، و”موسيقى الخيالة السلطانية العُمانية”، و”موسيقى الهجانة السلطانية” والفرقة الموسيقية الكشفية، وفريق المشاة من الجيش السلطاني العماني.
وقد أضفت الإضاءة بألوانها المتعدّدة التي تستقي وهجها من ألوان العلم العماني، المرسومة على واجهة دار الأوبرا الخارجية، جمالا، وبهاء على المكان، أبهج النفوس، ولم يقتصر العرض على الفرق الموسيقية العسكرية العمانية، بل تعدّى ذلك إلى قدوم عازفين من فرنسا واليابان شاركوا العمانيين والمقيمين فرحتهم، فقدّموا ألوانا من الموسيقى العسكرية عكست ثقافة البلدين، وقد امتعت المعزوفات الحضور لاسيّما المستلهمة من الفلكلور العماني، والثقافة المحلية، كونها نابعة من الوجدان الجمعي المشترك، ومعجونة بحماس ازدادت وتيرته مع الأناشيد الوطنية التي داعبت كلماتها وأنغامها المشاعر، وكان المشاركون يرتدون الأزياء الرسمية الأنيقة الملونة، وزادها جمالا تناغم الإيقاعات، وانسجامها مع حركات الأيدي والأرجل، والأجساد في تكوينات جميلة، قدّمت عروضها بدقة عالية، وهي تعزف على موسيقى القِرب، والطبول وآلات النفخ، حتى وصلنا الفقرة الأخيرة من الحفل الذي قُدّم على مدى ثلاثة أيام، فاختتم بفقرة شاركتْ بها جميع الفرق، فرسمتْ مشهدا بَصَريّا مبهرا لخّص رسالة الحوار الثقافي الذي تجريه السلطنة مع العالم بلسان موسيقيّ مبين.