زاوية تربوية

التعليم وصناعة المستقبل في فكر جلالة السلطان المعظّم

أمام جلالة السلطان: سفراء يؤدون قسم اليمين
أمام جلالة السلطان: سفراء يؤدون قسم اليمين أمام جلالة السلطان: سفراء يؤدون قسم اليمين

أثير- د. رجب بن علي العويسي، خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

استكمالا لمسيرة التعليم الماجدة التي خط أحرفها ورسم معالمها وحدد مسارها السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه لتنطلق من مزون الحكمة القابوسية ” سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل الشجر” إشارة البدء ونقطة التحول لنهضة عمان المتجددة وامتدادا لإنجازاتها الخالدة. وفي مرحلة جديدة من بناء عمان المستقبل بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه حظي التعليم باهتمام جلالته ورعايته الكريمة له، حيث جاء في عاطر نطق جلالته السامي ” وإن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سوف يكون في سلم أولوياتنا الوطنية ، وسنمده بكافة أسباب التمكين باعتباره الأساس الذي من خلاله سيتمكن أبناؤنا من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة.إيماناً” ، إيمانا من جلالته بدور التعليم في بناء عمان المستقبل وتحقيق رؤيتها الطموحة 2040.

على أن قراءة دور التعليم في صناعة خيوط التوازنات المستقبلية في فكر جلالة السلطان، يضعنا أمام استحضار جملة من المرتكزات التي أراد جلالته أن يكون التعليم شاهدا عليها، حاضرا في كل محطاتها، ومن بينها:

المهارات وتنويع المسارات التعليمية والمواءمة مع سوق العمل

جاءت التوجيهات السامية لجلالة السلطان المعظم بـ ” ضرورة الإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحليل الاحتياجات والمتطلبات الضرورية لتطبيق التعليم التقني والمهني في التعليم ما بعد الأساسي بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل واحتياجاته المستقبلية، وأهمية تبني منهجية متكاملة لآلية تطبيق ذلك وتحديد الخبرات والموارد البشرية اللازمة في هذا الشأن”؛ مرحلة مفصلية في تنويع مسارات التعليم والتوسيع في خياراته المهنية والتقنية، لضمان امتلاك مخرجاته للمهارات الناعمة التي يتطلبها سوق العمل، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى دراسة وتحليل نوعية التخصصات التي تحتاجها المرحلة الحالية والقادمة وتوجيهها لصالح المواءمة مع احتياجات سوق العمل، ورصد مراحل تطور سوق العمل والاحتياجات الوطنية المستقبلية من التخصصات أخذة في الاعتبار التخصصات ذات القيمة المضافة في مجالات الابتكار والبحث العلمي وريادة الأعمال، وحضوره في إدارة وإنتاج وهيكلة المشاريع التي تقوم على الابتكار والذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة ، التي تشكل الوجه الأبرز في الثورة الصناعية الرابعة وإنتاج تخصصات أكثر مواءمة لتحقيق مستهدفات رؤية عمان 2040

التعليم وإنتاج الهوية والقيم العمانية ودراسة الظواهر الاجتماعية

جاء في خطاب جلالة السلطان المعظم في الحادي عشر من يناير من عام 2022 : ” ونُهِيبُ بأبنائِنَا وبناتِنَا التمسُّكَ بالمبادئِ والقيمِ، التي كانت وستظلُ ركائزَ تاريخِنَا المجيدِ، فَلْنَعْتزّ بِهَوِيَتِنَا وجَوْهَرِ شخصيتِنَا، ولِنَنْفَتِحْ على العالَمِ، في توازنٍ ووضوحٍ، ونَتَفَاعَلْ معه بإيجابيةٍ، لا تُفْقِدُنا أصالتَنَا ولا تُنسينا هويتَنَا ” ، نقطة تحول في دور التعليم في قراءة منظور القيم، واتخاذ الإجراءات الثابتة التي تحافظ على القيم والأخلاق العمانية، وعكست لقاءات جلالة السلطان المعظم مع شيوخ الولايات والمحافظات، وحديثه عن المنصات التواصلية ، حيث قال ” أن تربية الأبناء لا تتم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بل هي جزء من أصل المجتمع العماني، وأنه ” عندما يتشرب أبناؤنا عاداتنا وتقاليدنا والتمسك بالأسرة والمجتمع يتحقق نجاح المجتمع” ، كما أن “التقنيات الحديثة وُجدت لخدمة البشرية، لكننا مع الأسف نستغلها بطريقة سلبية جدًا، وقد أثّرت على النشء، ليس في بلدنا وحسب ولكن في جميع أنحاء العالم”، موجها أبناء المجتمع إلى المحافظة على “إرثنا وترابطنا الاجتماعي، وعلى تربية أبنائنا وبناتنا التربية الصالحة”؛ دعوة متجددة للتعليم في تأصيل القيم العمانية وتجسيدها في حياة النشء وأخلاقه وإدماجها في مناهج التعليم وبرامجه.

وانطلاقا من دور التعليم في الحفاظ على الهوية العمانية بنص المادة (16) من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني (6/ 2021) والتوجيهات السامية لجلالة السلطان بـ ” أهمية تلمس احتياجات المواطنين ، ودراسة الظواهر السلبية ووضع الحلول المناسبة لها،” فإنها تضع مؤسسات التعليم المختلفة أمام مسؤولية إدارة هذه الظواهر وتتبعها والكشف عنها ودراستها وتحليلها وفهم الدوافع والأسباب التي أسهمت فيها وإيجاد الحلول المناسبة لها.

صناعة اقتصاديات المستقبل الواعدة

وتؤسس الرؤية السامية لجلالة السلطان المعظم إطارا وطنيا لدور التعليم في صناعة المستقبل ومساهمته في اقتصاد المعرفة ودخوله في ميدان المنافسة ، وأن يسلك في سياساته وخططه وبرامجه مسار القوة القائمة على توفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار وريادة الاعمال، وصقل التجارب وإنتاج الخبرات والكفاءات، وتمكين مخرجاته من اتقان المهارات الناعمة والمهارات الرقمية وقدرتها على إدارة المشروعات الاقتصادية ، لذلك جاء في خطاب جلالته أعزه الله” إننا إذ نُدرك أهمية قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ، وقطاع ريادة الأعمال ،لا سيما المشاريع التي تقوم على الابتكار والذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة ، وتدريب الشباب وتمكينهم ؛ للاستفادة من الفرص التي يتيحها هذا القطاعُ الحيوي ؛ ليكون لبنةً أساسية في منظومة الاقتصاد الوطني ، فإن حكومتنا سوف تعمل على متابعة التقدم في هذهِ الجوانب أولاً بأول.”، وما يعنيه ذلك من مساهمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في دعم الاقتصاد الوطني، وزيادة الخيارات والأنشطة التي تعمل فيها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتوجيه التعليم في هذا المسار من شأنه أن يصنع الفارق في تأهيل وتدريب وتمكين الكفاءات العمانية من إدارة ملامح اقتصاد المستقبل والفرص الاقتصادية للهيدروجين الأخضر وتحقيق سلطنة عمان للحياد الصفري الكربوني وغيرها كثير.

نموذج عملي للتعليم المرن والمنتج

جاء تشخيص جلالة السلطان المعظم لواقع التعليم في سلطنة عمان مستشرفا للتحولات المستقبلية في مسيرة البناء الوطني، فمن جهة يؤدي التعليم دوره بكل احترافية في الحفاظ على الثوابت وتعظيم دور الهوية والقيم والأخلاق في بناء القدرات العمانية وصناعة النماذج والقدوات ومن جهة أخرى يصنع من هذه الثوابت خيوط اتصال وترابط ممتدة نحو المستقبل لتمكين مخرجات التعليم من صناعة اقتصاد المرحلة وعبر اتقان المهارات الناعمة والمهارات الرقمية ومواءمتها مع سوق العمل، وإدماجها في السياسات الاقتصادية ومشروعات وبرامج التنويع الاقتصادي ، لضمان تحقيق تحولات إيجابية تتيح فرص أكبر تقييم احتياجات سوق العمل من الوظائف المهنية والريادية المنتجة.

أخيرا فإن سلطنة عمان وهي تحتفل بأمجاد الثامن عشر من نوفمبر والعيد الوطني الثاني والخمسين لنهضة عمان المتجددة لتقرأ في الفكر السامي لجلالة السلطان المعظم نموذجا عمليا للتعليم المنتج ، بما يستهدفه من موجهات وأطر لبناء الرأسمال الاجتماعي البشري العماني الواعد القادر على رسم ملامح المستقبل وإدارة واقعه، فإن تعظيم القيمة المضافة للاستثمار في الرأسمال الاجتماعي البشري وتمكينه من إدارة مستهدفات رؤية عمان 2040 ، سوف يصنع من إعادة هيكلة التعليم وتجويد برامجه وتحسين أدواته وبناء ثقافة عملية مهنية في مدارسه وجامعاته، فرص إنتاج القوة الاقتصادية، وتنافسية الكفاءة العمانية في مجالات البحث العلمي والابتكار وبراءات الاختراع وإنترنت الأشياء، صناعة المستثمرين الصغار وروّاد الاعمال وتمكين الطلبة من الإدارة الاحترافية للمشروعات الإنتاجية.

Your Page Title