أثير – مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري
افتتح الأستاذ هشام البستاني هذه المجموعة بتقديم جيّد بيّن خلاله أنّ الكاتب يدري ما يفعل وليس من هواة الكلمات المتقاطعة، وأعتقد أنّ تبويب كلمته في أوّل الكتاب جاءت في مكانها، وتستطيع أن تكون دليل القارئ، يقول مقدّم هذا المتن السرديّ:
“خالد سامح، في مجموعته هذه، ومجموعاته التي سبقتها، يعي أنّ القصة القصيرة جدّا ليست ضربة فجائية تسبق الهرب، ولا هي تزجية وقت لشخص يلعب بالكلمات على سبيل التسلية، بل هي الضربة التي تفتتح النزال، والجمل التي تقود المتلقّي إلى الزواريب الخلفية المعتمة للفكرة”.
القصة الأولى التي وقع عليها اختياري، تحكي عن إضراب معروف لدى عشاق هذا الزمن العجيب، فهم يُضربون ليس على مجرّد الكلام أو الاعتكاف داخل الأنا المتألمة الغاضبة، بل يتوّقفون عن إرسال اللايكات إلى من يحبّون معبرين بذلك عن حنق وغضب تجاه من يعشقون، وهذا ما يقال عنه: “الدلال” ولله في خلقه شؤون:
“إضراب
تخاصم العاشقان، فأضربا عن تبادل اللايكات”
لفتت انتباهي هذه القصة القصيرة لأنّها قالت الأزمة الحالية التي يتخبّط فيها مواطن العالم، وخلاصتها انتحار طبيب نفسي قبل دقائق من موعد السارد، وهنا نتوقف قليلا عند كلمات هذه الجملة “قبل موعدي بقليل” لنفهم أنّ المتكلم، أي السارد، يعاني من مشاكل نفسية وهو على موعد دائم مع المنتحر، فكأنّه يلخص لنا المشهد العام للمجتمع الإنساني، إذا انتحر الطبيب النفسي فمن كثرة ما يسمع من مرضاه من عُقد وأزمات لا حلّ لها، فكأنّ السارد يقول لنا: بانتحار الطبيب لم يبق له ولنا سوى القيام بما فعل:
“انتحار
على الرصيف تجمهر جمع كبير من الفضوليين ، ثمّ خرجت من العمارة جثّة ملفوفة بغطاء أبيض ، تتهادى على أكفّ رجال الشرطة كراية استسلام:
قبل موعدي بقليل، انتحر طبيبي النفسي”
في “حسرة التفاحة” و “دموع الوردة”، تآوّه على ما يفوت ويذوي، بل هو عواء خفيّ على كلّ ما كان جميلا وأنيقا ورائعا، فحسرة التفاحة أنّها حين تذوي لا أحد سيُشبهها بنهد الصبية، أمّا دموع الوردة، فيقول فيها:
“لا أحد سيُشبهها بخديّ فتاة جميلة …الوردة التي ذبلت ليس لها سوى البكاء الآن”
سأختم قراءتي الرائقة الشيقة لمجموعة خالد سامح “بين سطور المدينة” بقصة تؤكد أنه ابن عصره، يعيش لحظته الراهنة ولا يحلّق في الغيوم، هذه القصة هي
block
ويتطرّق خلالها إلى “مناضل” ضيّق البال مكتف بذاته، يستعمل أدوات التوصل الاجتماعي كشيء شخصيّ ولا يقبل لا المناقشة أو الحوار مع الآخرين، فيلجأ إلى “بلوك” عقوبة صارمة لكلّ من يقول: لا لأفكاره وميولاته، أترككم مع هذه القصة المأخوذة من الفيسبوك ومن عالمنا الراهن:
“صديقي مناضل عريق وهو أكثر ما يكون مناضلا على الفيسبوك، لا جلد له على إعجاب أو تعليق أو مهاترات يضيع فيها وقته الثمين.
إنّه يميل إلى (البلوك) أكثر”.