أثير- عبدالرزّاق الربيعي
منذ ظهور تعبير” الصورة تساوي ألف كلمة” عام1911 إلى اليوم والصورة تسحب من رصيد الكلمة، وتتمدّد في عصر أطلق عليه (عصر الصورة)، لتجذب الأبصار، رغم أن الكلمة لا غنى لنا عنها، ويبقى لها قصب السبق، وأيقونة البدء، حتى لو “ضاقت العبارة” لاتّساع الرؤيا حسب عبارة النفّري الشهيرة” كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة”.
لقد غدت الصورة أداة معرفية وإعلامية، وسلاحا فعّالا في إظهار الحقائق، بعيدا عن تشويهات مختبرات (الفوتوشوب) التي صارت مكشوفة للجميع.
واليوم ونحن ننظر في صور الدمار الذي سبّبه الزلزال الذي أصاب تركيا وسوريا، وهدّم آلاف المباني، وأسقط مئات الضحايا، وشرّد آلاف الأسر التي فقدت مساكنها، نشعر بالألم الشديد، فالزلزال الذي زلزل حياة الأسر الآمنة، وأودى بالكثير منها التي لفظت أنفاسها تحت الأنقاض، ومن كتبت له الحياة ، ونجا لجأ إلى المخيمات التي نصبتها فرق الإغاثة الدولية والمنظّمات الإنسانية لتحمي الناجين من البرد القارص، صمت الكلام وترك المساحة مفتوحة للصورة كي تعبّر عن الحدث خصوصا أنها تصل بسرعة أكبر، فإذا امتصّت المجازات من صدق اللسان، فالصورة تبقى الأكثر صدقا.
وحين يتفنّن المصوّرون المحترفون بابتكار طرق لالتقاط الصور من عدة زوايا لتظهر المحتوى بشكل أوضح، فإن الصور التي التقطت للزلزال كانت وليدة اللحظة مؤثّثة بالقلق والخوف، عفوية، هدفها توثيق الحدث دون مراعاة للجوانب الفنية والجمالية، لكنها كانت الأكثر صدقا والأبلغ تعبيرا.
ومن الجميل أن يهبّ المجتمع الدولي لنجدة البلدين المنكوبين، وتقديم المساعدات، وكذلك وقفة المشاهير الذين أسرعوا إلى التبرّع بالمال، والدعم اللوجستي، والمعنوي، وتوفير الاحتياجات المطلوبة لمساعدة الناجين، والحملات الإعلامية في تكاتف إنساني رائع، ففي النهاية كلّنا “لآدم وآدم من تراب”، كما قال رسولنا الكريم في خطبة الوداع” أيها الناس، إنّ ربّكم واحد وإن أباكم واحد، كلّكم لآدم وآدم من تراب”.
وهنا أستغرب كثيرا المشكّكين الذين بدت البغضاء من منشوراتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وفيها قلّلوا من حجم الدمار الذي خلّفه الزلزال الذي أصاب بلدين منكوبين، وزجّوا بمواقفهم السياسيّة، في كارثة إنسانيّة مخالفين القيم، وصوت الضمير، فهذا زلزال أخلاقي، لا يقلّ سوءا عن الزلزال والصدع الأرضي، الذي بلغ طوله 100 كيلومتر، حسب قول العلماء، الذين يطلقون على المنطقة اسم ( صدع شرق الأناضول) نسبة للمنطقة التي يقع بها هذا الحزام الزلزالي، فإذا كنّا نكذّب العلماء المختصّين، ومشاهد الدمار، وحكايات الناجين، فلنحتكم إلى ضمائرنا، والحديث الشريف يقول” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت” فعلى الذين في قلوبهم مرض ولم يقدّموا يد العون والمساعدة، للمنكوبين ، فعلى الأقل ليصمتوا، وذلك أضعف الإيمان.