أثير- موسى الفرعي
الإعلام جرّة فخارية تخزن الماء الحي، وتحفظه من عبث الملوثات؛ فالحقيقة والمبدأ الحق غير القابل للمساومة أو التنازل هو المياه الحية، أما ما نشهده اليوم من أسماء في مشهد الإعلام العربي تربّت أجيال عليها وتشكّلت مؤسسات إعلامية على يدها فهو خسارة فادحة؛ لأن جنوحها نحو الخلاف وإيجاد مساحات للفتنة والشقاق وتأليب الرأي العام ضد نظام سياسي بإيجاد أكاذيب أو لوي عنق الحقائق يُعدّ سقوطًا مدويًا لهذه الأسماء.
هل هناك حشائش ضارة موجودة بالفعل في دواخل هؤلاء، وكانت تبحث عن بيئة تنمو فيها، أم هو نتاج الصراع القائم على سلطة الواجهة الإعلامية بين الإعلام الجديد والقديم كما يُسمّى، وهل هو الخوف من سحب البساط بأيدي من تصدّر واجهة الإعلام الجديد. مهما كانت المبررات والمهددات فإن ذلك لا يبيح الغاية كمبرر للوسيلة؛ فقد جعلوا مواقع التواصل الاجتماعي مكبرات صوت تنشر صراخهم وتبث سموم الفتنة.
إنهم يطلقون رصاص الكلمات في كل اتجاه، وكلما صمّت الآذان زاد مستوى رداءة طرحهم وبذاءة مفرداتهم، فذلك بالنسبة لهم تعويض عن الإحساس بخسارة مكانتهم ووجودهم، وقد قرأت نصا لأحدهم يصف فيه جامعة الدول العربية بحظيرة الساقطين والمفلسين، وهو الوصف ذاته الذي يمكن أن يُطلق على سلة الإعلاميين البائسين اليائسين؛ فلماذا يقاتل بعض هؤلاء بهدف الفوضى العبثية والمصير العشوائي لهذه الأمة، لماذا يقلقهم حلم الوحدة العربية ويقض مضجعهم السعي إلى سلام الإنسان ونشر المحبة؟
لا يمكن لأحد إخفاء وجع صراع أعضاء البيت العربي والإسلامي المشدود بجوار حضاري وإستراتيجي وذمم ومبادئ إنسانية خالصة، صحيح أنهم ليسوا ملائكة، وكل خلاف مرئي ومسموع، لكن هذا الأمر لا يعني أن نمنح الإعلام الزائف فرصة أن ينهبنا كل شيء، وينسل كالخنجر في خاصرة الاستقرار والأمن، فنحن لا نحتاج إلى أساطير كي نحقق عالما مثاليا ووحدة مكتملة، لكننا لا نحتاج إلى جنازير الإعلام لتدوس على ميلاد كل حلم بسيط بغد أجمل.
على قادة هذه الأمة السعي المستمر إلى التواصل والاتصال والتكامل؛ بهدف ضمان مساحات للسلام والعيش المشترك، والعمل بيقين المصير الواحد، وعلى الشعوب نبذ التناحر والشتات والفرقة التي تروج لها أذناب الإعلام العربي، فإن أسباب الوحدة تقلقهم، واحترام الحوار يشكّل لهم حساسية مفرطة بسبب الجفاف، وبقعًا بارزة في أساليب الطرح والتعابير؛ لذلك يفضحون أنفسهم بأنفسهم.