أثير- موسى الفرعي
بهاء سماحة وحضور مهيب يعطي اللغة فرصة العثور على استعارات جمالية جديدة، ويلقي إلينا طوق النجاة كي لا نقع في شرك وهم القدرة على وصف السماحة السخية في حضور جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أبقاه الله-، وأناقة اخضرار الحياة التي تنمو وتسمو من قلب المكان حتى أعلى مدارج الضوء.
هكذا كنت أقرأ بهاء الإطلالة السامية لجلالته أثناء وصوله إلى جمهورية مصر العربية ليلتقي بأخيه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث يكسب هذا اللقاء خصوصيته من عمق العلاقة التاريخية والروابط المتينة بين سلطنة عمان ومصر التي لا تقاس فقط بخمسين عاما التي هي عمر العلاقات الدبلوماسية في التاريخ الحديث، بل هي ضاربة في التاريخ لأكثر من ثلاثة آلاف عام، وكلا البلدين لهما ثقل تاريخي وسياسي كبير مبني على التشاور والحوار وتجمعهما القضايا الإقليمية والدولية المشتركة، مما أكسبهما القدرة على الإسهام في الحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها من خلال ملفات كثيرة.
لذا؛ فإن العلاقة بين البلدين تُعد نموذجا خاصا يدرس من زوايا عديدة، ونتائج هذا اللقاء حتما سترمي بظلالها على العلاقة الثنائية بين البلدين في مجالات مختلفة، فالبديهة مستعدة لوضع الكثير من النتائج الإيجابية التي يمكن أن تسفر عنها هذه الزيارة السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله-، فلا غموض في شكل العلاقة ولا عبث في صوت الدبلوماسية العمانية والمصرية، بل هناك وضوح تام وصورة مكتملة للمعنى المُراد، لا سيما حين تكون هذه الزيارة السامية سابقة لزيارة مرتقبة لجلالته -أبقاه الله- إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبعد أن استضافت مسقط لقاءً ثنائيًا بين موفدي مصر وإيران خلال الفترات الماضية؛ فبهذا التراتب يمكن أن نضع إحدى نتائج لقاء جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم بأخيه فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والحديث عن وساطة عمانية لتقريب وجهات النظر المصرية الإيرانية، مؤمنين أن الحروف المتناثرة لا يمكنها أن تصنع كلمة أو جملة مفيدة، فقيمتها في اجتماعها وارتباطها الطبيعي ببعضها البعض.
إن مثل هذه العلاقة المبنية على وعي تاريخي بوجودها وقدرتها وثبات مبادئها ومقومات جغرافية تفتح أبواب الأمل لتعبر طموحات الشعوب وتطلعاتها، وتشير إلى اعتدال موازين اقتصادية وسياسية مختلفة، والتعاون المشترك بين البلدين منذ القدم هو شكل من أشكال الدفاع عن هذه الروابط المتينة بين البلدين، وهي روابط تكبر وتزداد قدرتها على ترويض القابل من الأيام، وتسير إلى إمكانية تحقيق الحلم بأمة عربية واحدة، فلا نحتاج إلى أساطير وخوارق من أجل ذلك، حسبنا إيماننا وسعينا إلى تحقيق هذا الحلم بأكبر مساحة ممكنة إن لم يكن كاملا.
وفّق الله القائدين لما فيه خير البلدان وألفة الشعوب ورخاء العيش، وهذا اللقاء هو النور الذي يضيء قمما ممكنة ومقنعة بأن الأمن والاستقرار والسلام القوي صفات لائقة بهذه الأمة العربية، وأن الحوار خير من القتال، وأن لكل إنسان حياة تستحق أن تُعاش، ولا يحق لأحد أن يسلبها منه، ذلك ما آمنت به سلطنة عمان منذ أن كانت؛ إما أن تحقن الدماء أو لا تشترك في إراقتها، وتراعي الجيرة وأواصر الأخوة بعطاء لا يقاس ولا يأخذ شكلا ماديا فقط، وبهذا أصبحت عُمان شريكا موثوقا على المستوى الإقليمي والدولي، وبمثل هذا تنتصر الأمم.