أثير- عبدالله العريمي
ما الشعر؟ حماية الحياة من التلف أم دفاع عن سلامة القلب الفردي لئلا يتعثر وهو يؤدي طقوس الحياة، إنه السؤال الذي يوجِد الحيرة الدائمة، السؤال الذي تتداخل فيه طبائع الأمور مع غرائبيتها، ويجعل من المتخيل واقعا، إنه رهان الشاعر على بطولة الكلمات وفردوس البلاغة، لذلك كلما تفشت عدوى الشعر أصبحت الحياة ممكنة، رغم يقيني أن عالمنا يمجِّد نمطية الأشياء على حساب الاختلاف، ويرجِّح العدم المنفوخ على حساب زرقة البحر واخضرار العشب، إنها حمى الواقع الضيق التي تخدر العالم باحتفال كاذب كي لا يرهقها البحث عن المعنى لحظة التقاء الأضداد وتخالف المتشابهات، لكنه الشعر، البطولة الدائمة والمجد الباقي، المفرغ تماما من ركاكة الواقع والمملوء بصلابة أسطورية.
قد يدرك العالم قريبا أن القوة المحركة لهذا العالم هي الكلمات، وأن الطريقة الوحيدة لترميم نفسه هو الشعر، لأن البنادق وأقبية السياسة قد تعيد الإنسان إلى مسكنه الأول/الكهف، أم الشعر فيعلِّمه كيف يطرد الكلاب الضالة عن ضميره المرمي على قارعة الطريق ليستعيده، يشعره بوخز الوعي وتفتّح الحلم في وحشة المكان، ويرجئ عصر اليباس، تلك وظيفته الأبدية، هذا الكائن غير الخاضع لمعايير ومقاييس غير الروائح التي يتركها عالقة في كف معبره، والنوافذ التي يتركها مفتوحة في ذهن القارئ على مشاهد التدرج اللوني في ساحة الغروب، وطرق الفِكاك من شرك الواقع، فماذا سيبقى إن تسربت ملوحة الواقع إلى مفاصل الشعراء إذًا، وتحولت الفراشات الملونة في دمهم إلى زجاج مهشم، كيف سينتقل الحاضر إلى حتمية التاريخ معافى، فكم من حاضر نجا بإحدى صوره لأنه ارتطم بالشعر، بحر إيجة لولا الشعر لظل فرعا من المتوسط وخطوطا مرسومة على الخريطة، لكنه بالشعر أخذ ملمحا أسطوريا وأصبح معبرًا للواقع والمتخيل إلى كل العصور. كما أن هزيمة طروادة تكمن في الرحلة الملحمية لا في الحادث التاريخي، ولولا فتنة المتنبي وسحره لما خلدت أسماء وحوادث كانت عابرة على هذه الأرض، هذا هو الشعر الذي دائما ما تعدُّ جنازته وفي كل مرة ينتفض ويزول القبر والكفن، بحد تعبير المتنبي، لكن إلى متى…؟!