أثير – مكتب أثير في تونس
أثير – محمد الهادي الجزيري
يرفض صفة الشاعر ويقبل على مضض صفة الكاتب، فلسطيني أصلا ولحما ودما وروحا وذاتا، له من العناد ما ترَكه في البطحاء الأدبية، يقاوم أتباع الفوضى والغبار، دون طلب أجر ولا جزاء، وله من الموهبة أو لنقل له الصنعة البديعة الرائعة لكي يكتب ما يريد دون البحث عن تبويبه في خانة الشعر أو الإبداع، فهمّه أن يكتب همّه وبواطنه بكلّها، وهذا سفير جيلي الشعريّ الحزين، لم يطلب يوما شيئا خاصا به، ما طلب غير الحبّ لقلبه والكرامة للإنسان والعدالة والحرية لفلسطين، هذا هو إبراهيم جابر إبراهيم الذي سأحاول أن أسطو عليه بعد أن راودته عن إبداعه وهمومه وطموحاته دون جدوى، لذا سأعمد للسطو العلني مستعينا بغوغول وصفحته على الفيسبوك، على صاحب ورفيق درب خاصة بعد أن علمت بمرض أصابه منذ فترة يستوجب عملية في المدّة القادمة، الله كم كانت الحياة جميلة وتستأهل الحياة، منذ كان المربد العظيم وكان العراق البهيّ، ولنا حديث يطول..
هذه أمنية الذات، كلّما ذُكرت فلسطين أو سرى بها الحنين، يا لك من صانع ماهر يا إبراهيم جابر إبراهيم، حتّى لا أقول “الشاعر المتخّفي”:
“حين يعود الرجال من الحرب
سأحبُّ واحـداً منهُـم
وآخذهُ الى بيتي
ذلك الذي يمشي آخرَ القافلة ويظلُّ ينظرُ خَلْـفَهُ ؛
يشعرُ بالخجل..
لأنَّــهُ عــاد سالـماً”
يقول إبراهيم جابر إبراهيم في العشق:
“قال لها: حبّي لك كعقدة الحبْل يا عائشة
فتضحك
وكلّما مرَّت به سألته: وكيف حال حبّك لي؟
فيضحك محمدٌ ويقول: تلك عقدة الحبْل.. على حالها
فتضحك”
اختير أميناً للثقافة والإعلام والنشر في الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين، التي فاز بعضويتها لثلاث دورات منذ عام 2001. كما أنه عضو اتحاد الصحفيين العرب، ومنظمة الصحفيين العالميين، واتحاد الكتاب العرب، إضافة إلى كلّ ذلك، يعرفه المقرّبون منه أنّه مهووس بالكتابة الأدبية وأصدر مجموعة من الكتب القيّمة منها:
ـ وجه واحد للمدينة, من إصدار دار أزمنته، عمان عام 1994
ـ مسرحية حديقة الموتى, إصدار الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، عام 2000
ـ متفق عليه, إصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، عام 2002
ـ الفراشات, إصدار كل من أمانة عمان ورابطة الكتاب عمان عام 2003
ـ مقالات سياسية ـ هذا البيت ليس لي, إصدار بيت الشعر الفلسطيني، رام الله، عام 2003
ـ رواية اسمهان (وكنت قد قدّمتها في أثير)
– حصل إبراهيم جابر أيضاً على جائزة محمد تمور لأفضل كاتب مسرحي عربي في عام 2000 (بتحصيله للمركز الأول) من الهيئة العامة المصرية للكتاب في مصر-القاهرة، إضافة لجائزة فلسطين للصحافة (عن مقالاته السياسية) في عام 2011 وشارك في الكثير من المهرجانات والمؤتمرات في مدن وعواصم مختلفة..
“خذني من ارتطام الناس بالناس، كأنَّني وردتك المصطفاة
واذهب بي من بينهم، إلى بيتك. لأنَّني لستُ لأحدٍ من العالمين: لا أحضرُ إلّا لشأنك، ولا أغيبُ إلا له…”
من أفكاره المعلنة والتي تنمّ عن صلابة الموقف وشجاعة الرأي، نظرته للواقع الإنساني دون مواربة أو تزلّف أو نفاق، رجل يقول الحقّ دائما وكم خاض من معارك ضارية حتّى مع أصدقائه من أجل تسجيل موقف أو تعديل وجهة مناضل، هذا هو المقاوم الشرس في جميع ما يكتبه من أدب أو في مجال الصحافة:
“حين يفشل نصف السكان في بلدٍ ما في تدبر أمر ملابس العيد لأطفالهم؛ فلا تحدثني عن العلمانية واليسار الاجتماعي والدعاة الجدد، والوعي الذي سيقود التغيير .. حدثني فقط عن الجوع ..”
التقينا مرّات عديدة في موفى الألفية الثانية في بغداد صحبة إخوة عرب ورفاق مناصرين للعراق منهم من قضى نحبه ومنهم من ملّ الوجود وينتظر أوان الغوص عميقا في التراب..، ومنهم من ما يزالون متوهجين بنار الثورة ووميض العناد ولهيب الكلمة، ومرّ العراق إلى حظّه وافترقنا سنينا طويلة، وجاءت فرصة لقائه في تونس، حين عملت على تكريمه الشاعرة التونسية الراحلة فاطمة بن فضيلة بمعيّة اتحاد الشغل.. فقضينا أجمل الأيام المقتطعة من الشعر والنثر والمودة والجنون، وانتهى الحلم وعاد الفلسطيني إلى هجرته المتواصلة، هل ثمّة من يذكّر بغداد بشقاوتنا وصهيلنا في شوارعها وفوق منابرها أيام المربد العظيم ….
اسمعوه وهو يشي بأبيه وشاية لا أجمل منها بل يشي بأجيال من الفلسطينيين لم يستطيعوا نسيان ما حدث ولن يستطيعوا ذلك أبدا:
كُلّما قالَ أبي: “برتقالُ يافــا”؛ كان يُرسلُ كَـفّيهِ في الهواءِ يرسمُهُ، أو ينصتُ بخشوعٍ شديدٍ كأنّما يشُمّــهُ، أو يسمعُــه
..
فكنتُ أغيّرُ الموضوع لكنه يظلُّ يحومُ حولَ سيرةِ بيتهِ؛ كأنّما كان له نصف مملكةٍ .. هناك
وأظّلُّ أقولُ: يا أبي؛ البرتقال الفرنسيُّ أحلى، وأطرى، أو على الأقلّ البرتقالُ هو البرتقال فلا تبالغ في الحنين فيبكي”.
من أفكاره الصحفية المعروفة عنه فهو صلب عكس ما تحكم على جسمه العين، كتب مؤخرا (مقالة بعنوان الروائية الشابة وروايتها الفهيمة) المنشورة بموقع (عربي) ونقتطع منها هذه الفقرة التي تعكس حدّته فهو لا يخاف في الحقّ لومة لائم:
“ليس من المنطق التطاول على الأدب والفنون بهذا الشكل الذي تشهده مواقع ومنصات كثيرة، حتى إنه صار لدى العرب من الروائيين والروائيات أكثر مما لديهم من الجنود والمزارعين والعمال، وجرى استسهال الأدب والتعامل معه كتسلية و”سهرة توقيع” وعلاقات عامة و”خاصة”، ولا تسأل عن “الناشرين” الذين يتعاملون مع هؤلاء الشباب والشابات كمتسوقين، فما دام “الشيك” جاهزاً فالمطبعة أيضا جاهزة”.
هذا القليل القليل من السطو المرتجل الذي ينمّ عن حبّي له وطلب الشفاء له من المرض الذي ألمّ به وقد ألتقيه ونُجدّد التجديف باتجاه النصّ الهادف والقصيدة الحلم:
“هذه سفينتي
فيها من كلِّ زوجين اثنان
وأنا وحدي”