زاوية تربوية

ما أهمية استشعار المدارس لمتطلبات تطبيق قانون التعليم المدرسي؟

معلم سابق يُعيده “الحنين” ويُطلِق مبادرة لمساعدة المعلمين والطلبة
معلم سابق يُعيده “الحنين” ويُطلِق مبادرة لمساعدة المعلمين والطلبة معلم سابق يُعيده “الحنين” ويُطلِق مبادرة لمساعدة المعلمين والطلبة

أثير – د. رجب بن علي العويسي خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

تمثل المعطيات التي ركز عليها قانون التعليم المدرسي الصادر بالمرسوم السلطاني (31/ 2023)، محطة نوعية تعيد قراءة الواقع التعليمي في سلطنة عمان، ووقفة تأمل ونقطة استراحة والتقاط الأنفاس لتجويد التعليم المدرسي وفق منهجيات جديدة وإستراتيجيات مبتكرة وأدوات مقننة، وبالتالي التوقعات بحدوث تحوّل في الممارسة التعليمية مع بدء العام الدراسي الجديد، واستغلال فترة الإجازة الصيفية للتفكير بعمق في رحلة العمل القادمة التي تشق طريقها عبر قانون التعليم المدرسي لتصنع منه مرحلة جديدة في الأداء التعليمي الكفء والمنافسة التعليمية الفعالة لتنعكس خيوط عملها وتفاصيلها على جودة الحياة التعليمة سواء في حجم الفرص التعليمة التي تتحقق للمدارس أو حجم التغيير الذي ينعكس على حياة الطلبة وعمل أعضاء الهيئة التعليمية والشركاء من خارج المجتمع المدرسي.

على أن هذا التنوع الذي احتضنه قانون التعليم المدرسي، والشمولية والعمق والاتساع في محتواه والصورة المثالية التي جسّدها في جدية ما تعكسه أحكامه من أجل مستقبل أفضل للأبناء، تصبح فيه ثقافة القانون، ممارسة أصيلة واعية، قائمة على استشعار المسؤوليات، واحترام الواجبات، والحفاظ على الحقوق، وتنشيط غراس العلم والمعرفة فيما يحمله من تنوع في المهارات والقدرات، تؤسس في فقه المتعلم وثقافته حس التغيير الذاتي والالتزام بالمبادئ، لتتجسد في معايير المنتج التعليمي وعبر إنتاج “كفاءات وطنية ذات قدرات ومهارات ديناميكية منافسة محليا وعالميا”؛ فإن التفعيل الكامل للأطر والإستراتيجيات الواردة في مواد القانون، والتنفيذ السليم لأحكامه، يتطلب جاهزية المدارس وامتلاكها مقومات التغيير، والتزامها مسار التصحيح، بحيث يعيد فيها المجتمع المدرسي ضبط ممارساته، وتوجيه بوصلة اهتمامه، وتحديد أولوياته، وتقنين أدواته، وهندسة عملياته، وترقية برامجه، ورفع سقف حواراته، وتفعيل أطر شراكاته، وبناء خيوط تواصل واتصال لها قوة التأثير للحفاظ على  معادلة القوة في الأداء التعليمي الموجه للطلبة في سبيل تحقيق: الالتزام التعليمي والانضباط السلوكي.

وبالتالي يمكن قراءة جاهزية المدارس في تعظيم استحقاقات تطبيق قانون التعليم المدرسي من خلال جملة المرتكزات التالية:

▪ تعزيز ورفع مستوى الشراكة المجتمعية في التعليم، يؤسس قانون التعليم المدرسي لشراكة إستراتيجية فاعلة بين مختلف الفاعلين والمؤثرين في الداخل والخارج، وفق أطر وضوابط ومنطلقات قائمة على وضوح المهام والمسؤوليات، وابتكارية الأدوات والإستراتيجيات، فتتجاوز بذلك مساحة الاجتهادية والمزاجية إلى الجدية؛ كونها شراكة تنطلق من أبجديات القانون، وتراعي أحكامه، وتتجه لتنفيذ غاياته، واستدراك المفاهيم والأطر واللطائف التعليمية التي سعى القانون إلى تحقيقها، والموجهات التي رسمها والتوقعات التي طرحها، والفرص التي أكد عليها في إطار من الوعي والثقافة المهنية، إذ أن هذه الشراكة أصبحت تتعاطى مع واقع ملموس، ومحطات مدركة، ومهام  عمل محددة، ووجود بنية مؤسسية تنظيمية وتشريعية تحكم  عملها وتعمل على إعادة تشكيل هويتها في الواقع التعليمي.

▪ تعزيز الثقافة الحوارية داخل بيئة التعليم والتعليم، جاءت أحكام قانون التعليم المدرسي لتقدم فرصا تواصلية أكبر، تستشعر حجم المسؤولية المترتبة على أعضاء الهيئة التعليمية ومسؤولية الطلبة التي حددها قانون التعليم من خلال تناوله للحقوق والواجبات والمسؤوليات والمحظورات وغيرها مما يستهدف تعزيز موقع الطالب، إذ كلما قويت اللغة الاتصالية والتواصلية في بيئة المدرسة والتزمت أسلوبا حواريا قائما على مصداقية الكلمة، وذوق السلوب، وسلاسة الأداء، وحكمة القرار، وإدارة المشاعر، وتكافؤ الفرص الحوارية، وزيادة عدد المنصات الحوارية، وتقوية حضور التقنية والأدوات الأخرى في سلاسة انتقال  المعلومة، وتبادل الخبرات ونقل التجارب والتي تتيح  لأعضاء الهيئة التعليمية والطلبة فرصًا أكبر لتناول قضايا التعليم والتعلم والوقوف على الظواهر والسلوك العام والتحصيل الدراسي والمبادرات التعليمية وغيرها كثير من خلال تنوع الأدوات وتوظيف الإحصائيات والمؤشرات.

▪ رفع مستوى الثقة بين مكونات المجتمع التربوي، جاء قانون التعليم المدرسي حاملا معه فرصًا أكبر لقراءة الواقع التعليمي من أكثر من زاوية، وباستخدام أدوات مختلفة للوصول إلى الحقيقة التي هي الطريق العملي للانتقال بالقانون ولائحته التنفيذية إلى أرضية صلبة من العمل المبتكر والأداء الملهم، فيقرأ كل مستوى تنظيمي أو إداري أو هيكلي سواء على مستوى المدارس والمحافظات التعليمية وديوان عام وزارة التربية والتعليم في الآخر أهليته للقيام بالدور وكفاءته في تفعيل الاختصاصات وتنفيذ المهام الموكلة إليه، ذلك أن استشعار الجميع بما يحمله الآخر من قدرات واستعدادات وفرص سوف يرفع من درجة الشعور الإيجابي والصدق الذاتي بما يقدمه الآخر من إنجازات وجهود، وعندها تغيب الحساسيات المفرطة، وتختفي ظاهرة التنمر الفكري بين مختلف فئات المجتمع التربوي، بل تتجه الأمور فيها إلى مزيد من الشفافية والأريحية في تبادل الخبرات والمعلومات وتقديم النصح وتعظيم فرص العمل بروح الفريق الواحد، ويتجه الجميع نحو التزام أفضل الممارسات وتطبيق أنجع التجارب، وتحقيق مسؤولياته بأفضل ما يمكن موظفا تجاربه وخبراته ومهاراته  في رفع درجة الجاهزية والاستعداد لديه، وتقبل الآخر والتعايش الفكري في بيئة تعليمية منتجة.

▪ تعظيم دور التعليم في الاستثمار في الانسان وتوجيه بوصلة الاهتمام إليه، وضع قانون التعليم المدرسي محور الإنسان أولوية في أحكامه ومواده، إذ هو الغاية والهدف والنتيجة، بل ورد في القانون ما يؤكد على مسؤولية المدارس في إعادة هيكلة مواردها وتعظيم القدرة التنافسية لديها واستثمارها في صناعة الفارق وإنتاج الفرص، وتوجيه المال والممارسة التعليمية في المدارس إلى تحقيق النوعية في المورد البشري، وإدارة المواهب، ورفع معايير الصحة النفسية والاحتواء والبرامج المهنية وترسيخ العادات الإيجابية في حياة الطالب، فهذه الممكنات النفسية والفكرية والأدائية سيكون لها تأثيرها الإيجابي في الحد من تكرارية الممارسة، وخلق بيئة تعليمية محفزة للقدرات، ومساندة للفكر الخلاق.

▪ تعزيز حضور الممارسة التأملية، القائمة على استشعار الدور القادم في ظل معطيات التقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي ورفع درجة الابتكارية والتجديد، كما تنمو في بيئة التعليم الممارسة الوقائية النابعة من استشعار الجميع بمسؤوليتهم في المحافظة على استقرار السلوك التعليمي النوعي والحد من السلوك العشوائي، ورفع درجة التأثير والاحتواء التي تتيح للطلبة فرصًا أكبر  لإنتاج التغيير في بيئة التعليم والتعلم، والعمل القائم على الحدس واستباقية التوقعات واحتواء الازمات وإدارة الظواهر السلبية، من أجل تحقيق ممارسة تعليمية تمتلك فرص التحول الشامل وتغيير صورة الواقع الاستهلاكي.

▪ تضمين قانون التعليم في الخطة الدراسية، وذلك من خلل تعظيم القيمة المضافة للقانون في قناعات وأفكار أعضاء الهيئة التعليمية والطلبة وأولياء الأمور والشركاء، وتصحيح المفاهيم المغلوطة والشائعات المتداولة حول القانون ولائحته التنفيذية في تعاطيه مع واجبات الطلبة والمحظور عليهم، وهو أمر يلقي بالمسؤولية على المدارس في إزالة هذه الضبابية عبر تبسيط مفاهيم ومبادئ القانون وتدريس محتواه، باعتباره جزء من عمليات التعليم والتعلم وبرنامج اليوم الدراسي، فإن من شأن تدريس المحتوى القانوني وتضمينه في المناهج الدراسية والأنشطة والبرامج أن يسهم في غرس ثقافة القانون في بيئة المدرسة، وتعريف المجتمع المدرسي أو الطلبة بالحقوق والواجبات والمسؤوليات عبر محاكاة عملية للواقع وإجابة عنها من خلال مواقف يتعامل بها الطلبة، لتتجلى أمامهم مساحات المرونة فيه، وقوة الهدف المرتجى منه، فيكون قانون التعليم بذلك مائدة تربوية تعليمية تشريعية يتناولها المعلم، كما يتناولها مدير المدرسة، ومشرف الأنشطة والمعلم الأول، ويدركها سائق الحافلة المدرسية وحارس المبنى المدرسي؛ ويبقى خلق تآلف نوعي مع القانون ولائحته التنفيذية  بأسلوب سلس وأدوات وآليات بسيطة ومرنة، بعيدا عن التكلف والتصنع ،  في إطار رفع الروح المعنوية للطلبة، بدور  القانون في حفظ الحقوق وصون المكتسبات وتقييم السلوك، والإيمان بقدسية رسالة المدرسة، ودور المعلم وولي الأمر، وفق سلوك توافقي يراعي المشاعر، ويقدر المعرفة المتكاملة التي تتجه نحو الإنتاجية.

▪ تعظيم صناعة جودة الحياة في بيئة التعليم، إن المرتكزات التي قام عليها قانون التعليم المدرسي تضع في أولوياتها مسؤولية البحث عن كل ما يضمن تحقيق الجودة والمهنية في بيئة التعليم والتعلم ورفع سقف الكفاءة الإنتاجية التي تبنيها الفرص وتؤصلها المبادئ وتحتضها الأخلاق ويجسدها السلوك التعليمي، فالغاية من هذا القانون حماية النشء والمحافظة عليه ورفع درجة الجاهزية في إدارة مسار الالتزام التعليمي والانضباط السلوكي، وعندها تتحول الممارسة التعليمية إلى محتوى تنافسي نوعي مبتكر، يحافظ على الهوية، ويستجيب لقدرات المتعلمين وينمي تطلعاتهم، ويبني في النفس حس التغيير الذاتي، ويؤطر فيه الأخلاق والنماذج والسلوك ويستنطق القيم ويستنهض الروح المعنوية للطالب.

▪ تجسيد مفاهيم ومفردات القانون في واقع حياة الطلبة، حفل قانون التعليم المدرسي بالكثير من المفاهيم التي قد تكون جديدة بعض الشيء على طلبة المدارس، سواء منها ما يتعلق بالبنية التنظيمية والتقنينية المرتبطة بمفاهيم الحوكمة وقياس الأداء واللامركزية أو كذلك ما يتعلق منها بالمحاسبة والمساءلة والجزاءات والعقوبات والسجن والغرامات وغيرها من المفاهيم التي باتت حاضرة في قانون التعليم المدرسي، وبالتالي التزام المدارس برفع
سقف المعرفة القانونية بهذه المفاهيم وتفعيل التزامها بها، وغرس هذه الثقافة القانونية لدى ولي الأمر والطالب وأعضاء الهيئة التعليمية، عبر منصات التعليم والمناهج الدراسية والأنشطة، بحيث يتم التعامل معها كمدخلات رئيسية لضمان تحقق الوعي، وصقل الخبرة وتوفير النماذج التطبيقية لها، وأن يصحب تطبيق القانون جملة من الموجهات التوعوية والتثقيفية والإثرائية التي يمكن أن تتعاطي المدارس معها بما يسهم في الحد من الاجتهادية في التطبيق والمزاجية في الاختيار.


أخيرا تبقى هذه المرتكزات وغيرها محطات مهمة يجب أن تدركها المدارس، وتتهيأ لها بيئات التعليم والتعلم لتطبيق القانون، وتجسيد تطلعاته في جودة الحياة المدرسية، وترقية فرص المنافسة نحو إنتاج أفضل الممارسات التعليمية، لما يمثله قانون التعليم المدرسي من إضافة نوعية لصناعة التحول الشامل في جودة محتوى التعليم المدرسي بسلطنة عمان.

Your Page Title