أبجد

هي المرأة الأخـــــرى!

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

سعدية مفرح

لم تكن موجودة في المشهد على الإطلاق.

لم تكن سوى امرأة أخرى، بلا اسم معين ولا شكل محدد، ولا حكايات، ولا ذكريات، ولا رائحة يخطر لها أن تشمها عالقة في ثيابه ولو بالصدفةالبحتة!

على الأقل هكذا بدا لها لأول وهلة، لأول أسبوع، وربما لأول شهر منالعلاقة التي تخلقت يوما بعد يوم وأسبوعا بعد أسبوع وشهرا بعد شهر وموقفا بعد موقف، قبل أن تصير الأيام والأسابيع والشهور والمواقف كلها بين الزميلين العزيزين.

تعرف أنه متزوج، وتعرف أن له طفلين يضع صورتهما في إطار جميل صغير على مكتبه المقابل لمكتبها دائما، وتعرف إنها تتصل به مرة واحدة في نهار العمل على الأقل، وتعرف أنه يتصل، إن لم تتصل هي، ليطمئن على البيت وشجون الابن الأصغر المريض غالبا، أو حتى ليستطلع شئون الغداء، وتعرف أنه يسافر مرة واحدة في السنة إلى بيروت أو دبي أو القاهرة بصحبة عائلته إضافة إلى رحلات العمل القصيرة التي يقوم بها إما لوحده أو بصحبة زملاء له .

لكنها، تحت وطأة الرغبة بالاستسلام لاندفاعة الحب في نثيثه الأول، استسلمت لرهافة الموقف وشغف الكلام الذي يعرف كيف يحتل مكانه ومكانته في نفسها باللحظة المناسبة دائما. ولأن مناوشات الإعجابالخبيء لا يمكن أن تراوح في مكانها إلى الأبد، حتى وأن كانت تلك المراوحة هي لذتها الأعظم، فقد استطالت لعبة الأحاديث، وفارقت شيئا من عفويتها وبراءتها وكياستها أيضا، واحتفظت لنفسها بذلك البريق الوهاج في زحمة العمل ومضايقات المراجعين، إلى أن غيرت مواعيدها من صباحات المكتب المزدحمة بالآخرين الى هدوء الليل الأول قبل أن يحين موعد عودته من الديوانية أو المقهى أو أي مكان آخر إلى المرأة الأخرى .

لم يكن زوجا إذن، ولكنه كان حبيبها! ولم تكن زوجته، ولكنها المرأة الأخرى الغائبة، والتي ظلت دائما خارج إطار الصورة حتى وإن كانت صورة عائلية.

كان هذا الوضع يبعث في نفسها الكثير من الراحة والثقة للحظتها الراهنة، قبل أن تتسلل تلك المرأة الأخرى  شيئا فشيئا من دائرة الغياب المشترك إلى دائرة الألق المشترك لتحيله نارا تتعالى ألسنتها مع كل خبر جديد أو حكاية جديدة أو حتى اتصال هاتفي معتاد.

كانت البداية زيارة مفاجئة قامت بها تلك المرأة الأخرى إلى مكتب عمل زوجها، ولأنه لم يكن موجودا في تلك اللحظة فقد استقبلتها باعتبارها زميلته بكل ترحاب قبل أن يتمدد الحديث بين المرأتين حول كل شيء ابتداء من شئون العمل والتطورات السياسية التي ألمت بالبلاد مؤخرا، وانتهاء بحلقة الأمس من المسلسل التلفزيوني مرورا بكل ما يخطر على بال امرأتين تتعرفان على بعضهما البعض لأول مرة.

كانت مجرد امرأة أخرى، مجهولة، غائبة، أو لعلها مغيبة،  ولكنها منذ تلك الزيارة صارت سيدة جميلة وأنيقة ومثقفة وذكية..!

والأهم من كل هذا وذاك أنها صارت زوجته

Your Page Title