مسقط-أثير
إعداد: زعيم بن ناصر الشعيبي؛ باحث ماجستير بكلية الحقوق في جامعة السلطان قابوس
منح المشرع حق تحريك الدعوى عن الفعل الضار بواسطة الادعاء المباشر؛ فالأصل أن الادعاء العام هي الجهة التي تحرك الدعوى العمومية أمام القضاء، كما نصت المادة (86) من النظام الأساسي للدولة الصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم (6/2021م) بأن: “الادعاء العام جزء من السلطة القضائية، يتولى الدعوى العمومية باسم المجتمع، ويشرف على شؤون الضبط القضائي، ويسهر على تطبيق القوانين الجزائية وملاحقة المذنبين وتنفيذ الأحكام، وذلك على النحو الذي يبينه القانون…”.
فكما هو معلوم أن حق التقاضي مكفول لكل مواطن في الدولة، وبالتالي يكون لكل من أصابه ضرر من الجريمة سواء كان المجني عليه أو المضرور أن يحصل على حقه من الجهات القضائية، ولكن بعد صدور الحكم قد تتقاعس بعض جهات التنفيذ عن السير في الإجراءات بدون سند قانوني، فكان لزامًا على المشرع أن يتفادى مثل هذه الأمور ويعطي للمضرور طريق استثنائي لمباشرة دعواه أم القضاء ويتجنب أي جهة من الممكن أن تعطل سير القضاء وتؤخر من حصول المضرور على حقه.
فقد أعطى المشرع سلطة تحريك الدعوى للادعاء العام ورفعها أمام القضاء وليس لغيره، ولكن المشرع خرج بدوره على هذه القاعدة، وأجاز لأطراف أخرى غير الادعاء رفع الدعوى العمومية وإدخالها في حوزة القضاء، فقد خول المشرع لكل من (الأفراد – الهيئات القضائية) سلطة رفع الدعوى العمومية. بالنسبة للأفراد، فقد أجاز المشرع للشخص المتضرر من الجريمة أن يستعمل حقه في الادعاء المباشر فيما يسمى أيضاً بالدعوى المباشرة. أما فيما يتعلق بالهيئات القضائية، فقد أجاز لها المشرع تحريك الدعوى العمومية بنفسها في حالات التصدي وجرائم الجلسات.
والادعاء المباشر هو تخويل الشخص المضرور من الجريمة الادعاء مباشرة بطلب التعويض عما أصابه من ضرر، وذلك عن طريق التكليف مباشرة بالحضور و المثول أمام المحكمة الجزائية، ويّتضح من هذا بأنه أسلوب ينطوي على تخويل سلطة تحريك هذه الدعوى لغير الادعاء العام، وبالتالي فهو يمثل أسلوبًا آخر يخرج من صميم اختصاص الادعاء العام بتحريك الدعوى العمومية. وقد ورد النص على الادعاء المباشر في المادة (4) مكررًا من قانون الإجراءات الجزائية العماني حيث نصت على أنه: “دون التقيد بنص المادة (5)، لمن أصابه ضرر من الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة (163) من قانون الجزاء العماني، أن يكلف المتهم مباشرة بالحضور أمام محكمة الجنح المختصة في المواعيد وطبقا للإجراءات المنصوص عليها في المادتين (163) و (164)، وعلى أمين سر المحكمة إخطار الادعاء العام بنسخة من صحيفة التكليف بالحضور لمباشرة الدعوى العمومية” وتشير هذه المادة إلى جريمة الامتناع وتعطيل تنفيذ حكم أو قرار أو أمر قضائي، حيث يشترط لقيام هذه الجريمة توافر ركنها المادي والمعنوي.
أولا، فيما يتعلق بالركن المادي يتمثل في سلوك إيجابي وهو تعطيل عمل قضائي وكذلك في سلوك سلبي وهو الامتناع عن القيام بما أمر به القانون. حيث نصت المادة (230) بقولها” …كل موظف مختص امتنع أو عطل تنفيذ حكم قضائي أو قرار أو امر قضائي…الخ) ويتضح لنا من خلال نص المشرع أنه حدد الفاعل تحديدا دقيقا وهو الموظف المختص، ويعني بذلك الموظف الذي له سلطة واختصاص في تنفيذ الحكم أو القرار أو الأمر القضائي. وتتمثل النتيجة في تحقق الضرر من تعطيل أو امتناع تنفيذ الحكم أو القرار أو الأمر القضائي وذلك بعد مضي ثلاثين يوما من إنذار الموظف بالتنفيذ، حيث أوردت المادة (4) مكرر من قانون الإجراءات الجزائية لفظ ( لمن أصابه ضرر…الخ) والحديث في هذه المادة عن صاحب الحق في الادعاء المباشر، فالمشرع العماني أورد لفظا شاملا وعاما لصاحب هذا الحق وهو المضرور، ويستوي أن يكون المجني عليه أو شخص آخر كان طرفًا في الدعوى العمومية ذاتها وله مصلحة وصفة لتنفيذ الحكم القضائي، مع مراعاة وجود علاقة سببية بين السلوك الإجرامي والنتيجة المترتبة.
ثانيًا: فيما يتعلق بالركن المعنوي؛ قيام الجريمة في القانون لا يتوقف فقط على توافر الركن المادي من طرف الجاني وإنما يستلزم معه وجود رابطة نفسية تصل بين الجاني والفعل المادي الذي يقوم بارتكابه وهذه الرابطة النفسية تتمثل في الركن المعنوي الذي يقوم على الإرادة التي توجه سلوك الجاني مع العلم التام أن هذا السلوك مخالف للقانون، بمعنى أن الجاني في هذه الحالة يعلم أن ارتكاب هذا الفعل مجرم ،كما ان هناك حالة أخرى يقوم فيها الشخص بسلوك مخالف للقانون إلا أن الجاني في هذا النوع من الأفعال ليس قاصدا وإنما يقع منه خطأ أو إهمال؛ بمعنى أن الجريمة يعاقب عليها على أساس جريمة غير عمدية. في جريمة امتناع الموظف عن تنفيذ الحكم القضائي أشارت المادة (230) من قانون الجزاء الى الركن المعنوي هو العمد، حيث ذكرت المادة ( … كل موظف مختص امتنع أو عطل عمدًا…) وعليه فإن هذه الجريمة من الجرائم العمدية التي يشترط فيها توافر القصد في ارتكابها واتجاه ارادة الموظف الى تعطيل الحكم القضائي وإلحاق الضرر بصاحب الحق.
إجراءات الادعاء المباشر
لقد صدر مرسوم سلطاني رقم (69/2022) بتعديل المادة (4) من قانون الإجراءات الجزائية والتي كان المشرع العماني قد أورد من خلال المادة سالفة الذكر ببعض الإجراءات التي تتعلق ببعض الأحكام الخاصة لرفع دعوى الجنحة المباشرة (الادعاء المباشر)، حيث أورد المشرع باقي الأحكام الإجرائية العامة الى المادتين (164،163) من قانون الإجراءات الجزائية، حيث قرر بأن يتم تكليف الخصوم بالحضور أمام المحكمة قبل انعقاد الجلسة بثلاثة أيام في المخالفات؛ وبسبعة أيام في الجنح؛ وبعشرة أيام في الجنايات، وأوجب ضرورة ذكر التهمة ومواد القانون التي تنص على العقوبة، وأوجب المشرع الُعماني على أمانه سر المحكمة المختصة إخطار الادعاء العام بصورة من صحيفة الادعاء المباشر، وذلك لمباشرة الدعوى الجزائية أمام المحكمة باعتباره الأمينة عليها، كما أجاز للمتهم أن ينيب عنه من يمثله قانون في حضور الجلسات.
إلا أن هذا التعديل للمادة (4) مكررًا قد منع المشرع المضرور من الجريمة المنصوص عليها في المادة (230) من قانون الجزاء أن يرفع دعواه مباشرة إلى المحكمة المختصة إذا أراد أن يرفع دعواه على رؤساء وحدات الجهاز الإداري وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، بل عليه تقديم طلب للادعاء العام، فضلاً عن وضع قيدٍ على تحريك الدعوى الجزائية الذي يتمثل في الحصول على إذن من مجلس الوزراء.
وحيث نرى بأن هذا التعديل قد يتعارض مع نص المادة (81) من النظام الأساسي للدولة (6/2021) والتي نصت: ” تصدر الأحكام وتنفذ باسم السلطان، ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون، وللمحكوم له في هذه الحالة حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة إلى المحكمة المختصة”، حيث لم يرد على هذا الحق وجود أي قيد من شأنه يلزم للمحكوم له تقديم طلب أو الحصول على إذن صادر من مجلس الوزراء.
وفي النهاية لقد خلصنا إلى أن الادعاء المباشر هو طريق استثنائي يعطي المتضرر حق الادعاء مباشرة أمام المحكمة المختصة دون أن يلزم بتقديم الطلب للادعاء العام، وذلك تفاديًا لأي تعطيل أو تأخير في أخذ المضرور لحقه، وهو طريق يمنح الشعور بالاطمئنان من عدم وجود أي سلطة تؤخر وصول الحق لأصحابه.
وحيث إن فلسفة الادعاء المباشر تقوم على سرعة نظر دعوى المضرور من جراء الضرر الذي أصابه وأيضًا بأن لا تمر الى جهات التحقيق وإنما ترفع مباشرًة الى محكمة الجنح لاقتصاد في الإجراءات ولضمان سرعة تنفيذ الأحكام القضائية، وكما أنه تم التطرق الى موقف المشرع العماني من الادعاء المباشر، وتوصلنا أن المشرع العماني حصر هذا الطريق الاستثنائي لجريمة واحدة فقط وهي امتناع الموظف عمدا عن تنفيذ حكم أو أمر أو قرار قضائي، كما أنه منح هذا الحق لكل من أصابه ضرر من هذا الأمتناع أو التعطيل، وقرر المشرع العماني عقوبة كافية لردع الموظف وهي الغرامة الأصلية من مائة ريال وحتى ألف ريال عماني دون عقوبة السجن، إلا أنه نرى بأن المشرع العماني قام بتخفيف العقوبة المفروضة لهذا النوع من الجرائم من عقوبة السجن الى عقوبة الغرامة، وهذا الاختلاف بين النصوص يتضح جليًا ما جاء في نص المادة رقم (163) من قانون الجزاء السابق رقم (7/74) وفي المادة رقم (230) من قانون الجزاء رقم (7/2018).
أخيرًا، ما فيما يتعلق بالتعديل الأخير للمادة (4) مكررًا من قانون الإجراءات الجزائية، فمن خلال تحليل للواقع وتطبيقً للنصوص فإن هذا التعديل يعطل فلسفة الادعاء المباشر من عدة جوانب: – عدم سرعة نظر دعوى المضرور وذلك لوجوب رفع الإذن صادر من الجهة المختصة (مجلس الوزراء) وبشريطة تقديم هذا الطلب لمن له صفة ومصلحة للمدعي العام، إلا وأنه لم يتطرق المشرع في تعديل هذه المادة الى مواد أخرى أو في المادة نفسها إلى مسائل أخرى جوهرية وهي على سبيل المثال: إجراءات تحدد الطريقة التي يتم فيها تقديم طلب الإذن، المدد الزمنية التي يجب على مجلس الوزراء البت في هذا الطلب، والإجراءات التي تأتي ما بعد نتيجة القبول أو الرفض للإذن، لذا كان عدم تضمين النقاط التي سبق وأن ذكرتها لوجود آثار على الجانب العملي وأهمها هو التأخر في البت في هذه الطلبات والنظر للدعاوى المقدمة من المضرورين من هذه الجرائم.