أثير – ريما الشيخ
تخوض سلطنة عمان كما العديد من دول العالم حربًا على كل الممارسات المالية غير الشرعية، والتي تمثل شكلا من أشكال الفساد.
ويُعد غسل الأموال أحد أشكال هذه الممارسات، وفي سطورنا القادمة ستوضح مريم بنت سعيد بن مسعد الشعيلية- باحثة ماجستير في القانون الجزائي بكلية الحقوق في جامعة السلطان قابوس لـ “أثير” بعض الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع.
تقول الشعيلية: تعد جريمة غسل الأموال من أخطر الجرائم المنظمة والعابرة للحدود التي تنخر كيان الدول وتزيل وجودها وتخرب مؤسساتها؛ لذا نالت هذه الجريمة اهتمامًا واسعًا من قبل التشريعات العالمية بصورة عامة والتشريع العماني بصورة خاصة، حيث ينظمها قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 30/2016.
وتضيف: تعد جريمة غسل الأموال جريمة تبعية، ويفترض لارتكابها ارتكاب جريمة أصلية سابقة عليها، بحيث ينتج عن الجريمة الأصلية عوائد مالية التي تكون محلا لجريمة غسل الأموال، وعرفها القانون على أنها:” كل فعل يشكل جريمة وفقا للقانون في سلطنة عمان، وكل فعل يرتكب خارج سلطنة عمان ويعد جريمة وفقا لقانون الدولة التي ارتكبت فيها الجريمة والقانون العماني”، وأكدت المحكمة العليا في الطعن رقم (2/2019م)، بأن الجريمة الأصلية ركن جوهري لجناية غسل الأموال والتي يشترط أن يتحصل منها العوائد المالية غير المشروعة التي تكون محلا لجريمة غسل الأموال.
وتشير الشعيلية إلى أن جريمة غسل الأموال تعد مستقلة عن الجريمة الأصلية، ويترتب على ذلك، عدم وجود ما يمنع من الحكم على المتهم في الجريمة الأصلية من الحكم عليه عن جريمة غسل الأموال الناتجة عنها، ولا يستوجب إدانة الجريمة الأصلية لإثبات أن الأموال محل جريمة غسل الأموال هي عائدات مالية متحصلة من جريمة، وهذا ما نصت عليه المادة (7) من قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وتذكر الباحثة: وفقا لما تم تناوله مسبقا، نجد أن المشرع العماني نظّم محل جريمة غسل الأموال ليشمل جميع العوائد المالية الناتجة عن جريمة أصلية أيا كان نوعها جناية أو جنحة أو مخالفة، وبالتالي يلاحظ أن المشرع قد توسّع في محل الجريمة فلم يقتصر على جرائم معينة لتكون العوائد المالية الناتجة عنها محلا لجريمة غسل الأموال، وأكد على ذلك ما تضمنته المادة الأولى من القانون سالف الذكر تعريفا للعوائد المالية على أنها: “الأموال المتحصل عليها من جريمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ويشمل ذلك الأرباح والامتيازات والفوائد الاقتصادية وأي أموال مماثلة، محولة كليا أو جزئيا إلى أموال أخرى”، وتضمنت اللائحة التنفيذية رقم 74/2004 لقانون غسل الأموال الأقدم بعض الأمثلة للجريمة الأصلية مثل: التعامل غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، والخطف والأعمال الإرهابية والقرصنة والاتجار غير المشروع في الأسلحة والذخائر وغيرها من الجرائم بدون حصر، وذلك من أجل سد باب التحايل على القانون ولخطورة هذه الجريمة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
أما بالنسبة للاتفاقيات الدولية فتوضح الشعيلية بقولها: حصرت المادة الثالثة من اتفاقية فيينا الجرائم التي تتحصل منها عوائد مالية غير مشروعة والتي تكون محلا لجريمة غسل الأموال في الجرائم المتعلقة بالمخدرات والمؤثرات العقلية، وكذلك حصر القانون النموذجي الصادر عن الأمم المتحدة في عام 1995م الجرائم التي تصلح أن تكون محلا لجريمة غسل الأموال في الاتجار غير المشروع بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بينما اتفاقية باليرمو لعام 2000، في مادتها السادسة، شملت جميع الجرائم التي ينتج عنها عوائد مالية بغض النظر عن نوعها، لتكون محلا لجريمة غسل الأموال.
وفي ختام حديثها مع “أثير” تقول مريم الشعيلية بأن المشرّع العماني توسّع في نطاق محل جريمة غسل الأموال وشمل جميع العوائد المالية المتحصلة من جريمة سواء بصورة مباشرة أم غير مباشرة والتي تم النص عليها في قوانين الدولة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تكون السلطنة طرفا فيها، وذلك لتوفير الحماية اللازمة للمجتمع واقتصاد الدولة من الآثار الناتجة عن جريمة غسل الأموال.