أبجد

نتائج الفرز الأول لجائزة اثير الشعرية ( الشعر الفصيح )

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

حسن مجّاد – أكاديمي من العراق

 

نبدأ إعلان نتائج الفرز الأول لجائزة أثير الشعرية، ونبارك للشعراء المتأهلين ونرجو التوفيق لبقية للشعراء في الدورات المقبلة، بعد أن مرّت المجموعات المشاركة بالجائزة على هيئة التحكيم والفرز الأول، وقد تكفل كل واحد من أعضاء اللجنة الكرام بمراجعة مجموعة مختلفة عن الآخر نظرا لعدد المشاركات المرتفع جدا.

ونبدأ بنشر المجموعة المتأهلة حسب رؤيتهم الجمالية والنقدية كل على حدة بالإضافة إلى رؤية موجزة جدا عن كل مجموعة حتى لا نهمل هذه الزاوية في كل مراحل الفرز والتحكيم ونبدأ مع الأستاذ الناقد حسن مجّاد وفي الأيام المقبلة نتعرف على مجموعة أخرى لأستاذ آخر:

 

مجموعة (المياه تخون البرك)

مجموعة ( في مهب الذئاب )

 

تمتلك ( المياه تخون البرك ) ورفيقتها ( في مهب الذئاب ) على الرغم من الاختلاف الشاسع في طريقة البناء المقطعي او الموسيقيّ تفعيلة ونثراً، أقول تمتلك محاولة أولى في الطريق نحو اكتشاف صوت جاد سيثمر إن تخلص من رمزية موغلة بالغموض تصل أحياناً إلى التعمية والمعاظلة في بناء الصورة الشعريّة .

 

مجموعة (لا بد من قمر ﻷعبر ):

 

في مجموعة (لا بد من قمر ﻷعبر ) قد أفتتن الشاعر بفكرة اقتلاع الجذور وهشاشة الهوية كما عبرت عنها النصوص البيروتية ومابعدها عند درويش على نحو خاص ، ينكشف ذلك حين نلمس أنَّ درويش قد عنون أحد يومياته في ( يوميات الحزن العادي ) بــ( القمر الذي لم يسقط في البئر ) ، والبئر والقمر لهما دلالة شعرية وجوديّة في ذاكرة الفلسطيني العائد أو الخائب على حد سواء ، ولهذا نراه يعنون مجموعته الشعرية بــ( لمن قمر يعبر الآن ) ، وهو ما يكشف عن نزوع في استثمار دلالة الموروث الشعبيّ للقرى النائية المحملة بعذاب الراحلين التي يعبر من خلال سماواتها قمر خائب ، وبدت السخرية في التساؤل الجوهر المحوريّ في التعبير الشعريّ .

لكن الذي يقف عائقاً أمام خطوة الشاعر هو المؤثر الدرويشيّ صوتاً واستعارة  نراه يقول :

(لا بدّ من قمرٍ لأعبرَ)

للبحر موسيقى

ولي حذر الغزالةِ في ركوب الموجِ

لمْ أخلعْ أناشيدي

ولا أسلمتُ أحلامي إلى ظلِّ الغوايةِ

أو نَسيتُ

فأنا احتفاءُ الضوءِ بالسارينَ

رفرفةُ الطيور على خوابي القمحِ

لهفةُ عاشقٍ كَسَرَ الغيابَ

براءةُ امرأةٍ تحطّمُ إذْ تمرُّ زجاج أخيلتي

فتنهمر السماءُ

أنا الكلامُ

أنا السكوتُ)

هذا مقتطع من نص ونصوص أخرى تدل بشكل واضح على المقابسات الدرويشيّة التي يقتفيها الشاعروهو يبتكر خطوته الشعرية ؛ ولكنه شاعر به حاجة إلى مراجعة رؤيته الشعريّة ؛ لكي يتخلق صوته بشكل أكثر حساسيّة في التعبير ، وأكثر دهشة وإيغالا في عنف المعنى أيضاً !

وهو بكل الأحوال  في مجموعته” لا بد من قمر ﻷعبر” شاعر يحاول  جاهداً أن يمنح الموقف الإنساني بعدا تراجيديا عبر ثراء في  لغة المعجم الشعريّ وإيقاع الصورة المولدة ،التي يتكئ فيها على نصوص  دينية في تفسير ماضي الجماعة  وأحلامها بنزوع نرجسيّ يصبح لب الكون ومركزه

 ( ولافي أبي

أكل الذئب أخوته

فاصطفاني

لأحمل من بعده السارية )  

ما يميز هذه مجموعة أن الشاعر قادر على استثمار أشكال شعرية أخرى قصيرة ومكثفة شعريا تعتمد على النبر الصوتي والمفارقة الساخرة، وهو نمط من أنماط التجريب على أشكال أخرى تعبر عن هواجسه وهمومه.

 

مجموعة ( جغرافيا الكلام ):

 

مجموعة ( جغرافيا الكلام ) فإن الشاعر يجتهد في شكل القصيدة التقليدية بحسب نظام الشطرين ، واجتهاداته في ذلك دالة على أنه شاعر يتحسس إيقاع القصيدة ، وهذا هو رهان الشعر في عصر شهد أفول المعنى السامي ؛ لأن العمود برؤيته التقليدية يعبر عن المعاني السامية ، وأبواب العمود في الديوان العربيّ معروفة ( الحماسة والفخر، والمراثي ) ولكن لا نبرة حماسيّة في مجموعة ( جغرافيا الكلام ) بل مساءلة في سر الوجود وخوائه أيضاً ، هو يطرد كل ما يتعالى على كينونته عبر رؤية صوفيّة أحياناً وله في ( مرايا جرير ) مثال دال على عمق المعنى وفضاء التعبير المتنكز باستدعاء التراث ؛ ليطل به على عصره الحالي ؛ لكن الإيغال في المرايا النرجسيّة قد يضر بتجربته الشعريّة ، الافتنان باللعبة التجنيسية والفنون البديعية قد يؤدي إلى توليد فكرة ولا يعمل على ابتكار صورة وهو مزلق خطر يعاني منه الشاعر كما رايته في ( جغرافيا الكلام ).

 

مجموعة ( لا بد من نقص ليكتمل الوجودُ ):

 

تنطوي تجربة الشاعر على وعي حاد بملابسات المشكلة الاجتماعيّة ورهانات الوضع البشريّ ومأزق الفرد انعزالاً ونكوصاً وتمرداً ، ومنذ بداياته الأولى بدت المزاوجة بين العنصر الرومانطيقي والرؤية الصوفية مدخلاً في فهم عوالمه الشعريّة ،واتضح له مفهوم شعريّ ظل راكزاً في وعيه وتصوراته يتجلى بالبعد الغنائيّ الوجداني وهو بذلك يفيد من مبتكرات الرواد وما بعدهم ؛ ليتخلص من النبرة العاطفية الفائضة تلك التي يجد فيها الشاعر نفسه متماهيا بالطبيعة وفتونها غصنَ شجرة، وضفة بحر، وطيور سماوات، في مجموعة ( لابد من من نقص ليكتمل الوجود ) يختبر الشاعر امكانيات التواشج الخلاق بين المعرفة الصوفيّة والرؤية الشعريّة، مجسداً صيغة مغايرة لصورة الانسان في الاكتمال الناقص صورة ووجوداً باستثمار مقولة ابن عربي الصوفيّة ( إن نقص العالم هو عين كماله ) ، ولكنه مرة أخرى يضع لها صيغة رومانسيّة موازية ( لا بد من ورد لتلتئم القلوب ) في قصيدته ( لابد من ورد) .لكأنه يراهن على براءة العالم الأولى بتقريظ الطبيعة لا بمدائحها ، برثاء أشيائها والوقوف على ماضيها الحاضر ( فتشتُ المدينة كلها عن أي غصن قد يطل برأسه فوق السياج فلم أجد ) ومدخله إلى المدينة يتخذ موقفاً حضاريّا من بؤس العالم وشراسته ، فهو لا يعقد صفقة مصالحة عابرة معها ،او ينسلخ من بين أزقتها عاريا وهو الخارج من حروب و حصارات ومطارد في بلاد الله ،وإذا كان الصوفي يرى في المكابدات وصولاً إلى الانسان الكامل ، فإن الشاعر يرى خلاص الفرد بكل هذا النقص الذي يعتري الانسان والمدينة والروح والجوهر أيضاً

Your Page Title