شعر الغزل وحكمه في الشريعة الإسلامية
عبدالله البلال – سلطنة عمان
يعد شعر الغزل من الأغراض الشعرية التي ثار حولها جدل كبير فيما بعد الأسلام، لأن الغزل هو مبني في الأساس على علاقة الرجل بالمرأة([1])، وهذا الغرض يُعرف لدى كل شعوب العالم وعلى مر العصور([2]).
([1])
(
[2]
[2]
)
لم يكن فقهاء الشريعة بمعزل عن الشعر وأحكامه، بل تتبعوا أغراض الشعر([3])، بل أن الكثير منهم على اضطلاع بالشعر واللغة، كيف لا؟ وقد عُلم أن علاقة الشرع باللغة علاقة عميقة، ومن جملة أصناف الشعر الذي تناوله العلماء من القدامى والمعاصرين هو شعر الغزل([4])، فجعلوا له أحكامه وضوابطه.
([3])
([4])
[4]
ولقد اتفقت أقوال الفقهاء قديماً في مجملها على أن الغزل ينقسم إلى قسمين، مشروع وغير مشروع([5])، وبيان ذلك فيما يلي:
([5])
الغزل المشروع: وهو في حاصل كلام العلماء ينقسم قسمين:
الغزل المشروع:
– غزل بامرأة معينة تحل له شرعاً:
–
غزل بامرأة معينة تحل له شرعاً:
لم ينكر العلماء هذا النوع من الشعر، بل أنهم نقلوا عن الصحابة أنهم كانوا ينشدونه في حضرة النبي r، فقال ابن قدامة: “وقد سمع النبي صلى الله عليه و سلم قصيدة كعب بن زهير([6])وفيها التشبيب بسعاد([7])“([8]).
([6])
([7])
([8])
كما نُقل عن العز ابن عبد السلام أنه قال: “وقد أنشد كعب رضي الله عنه عند رسول الله r، “بانت سعاد” القصيدة المشهورة، فاستمعها ولم ينكر عليها شيئاً، وفيها الاستعارات والتشبيهات حتى شبه الريقة بالخمر وكانت حرمت”([9]). وقد ذكر الروياني: “أن سعاد كانت زوجته وبنت عمه”([10]).
([9])
([10])
قال الأذرعي: “يجب القطع بأنه إذا شبب– أي الشاعر – بحليلته ولم يذكر سوى المحبة والشوق أو ذكر شيئا من التشبيهات الظاهرة أنه لا يضر”([11]).
([11])
[11]
قال ابن قدامة: “ولم يزل الناس يرون أمثال هذا ولا ينكر وروينا أن النعمان بن بشير دخل مجلسا فيه رجل يغنيهم بقصيدة قيس بن الحطيم فلما دخل النعمان سكتوه من قبل أن فيها ذكر أمة فقال النعمان : دعوه فإنه لم يقل بأسا إنما قال:
وعمرة من سروات النساء |
|
تنفح بالمسك أردانها |
وعمرة من سروات النساء
تنفح بالمسك أردانها
وعمرة من سروات النساء
وعمرة من سروات النساء
تنفح بالمسك أردانها
تنفح بالمسك أردانها
وكان عمران بن طلحة في مجلس فغناهم رجل بشعر فيه ذكر أمة فسكتوه من أجله فقال: دعوه فإن قائل هذا الشعر كان زوجها”([12]).
([12])
قال ابن حجر الهيتمي: “وقد جمع الإمام الطبراني جزءاً حافلاً في غزل التابعين وتابعيهم، وذكر هو وغيره عن جماعة كثيرين من الصحابة أنهم سمعوه ولم ينكروه، والقاضي شريح، والزبير بن بكار في روضتيهما، وعبد الله بن المبارك في مرثيته من الغزل الكثير ما يتعجب منه،وكذا الشافعي رضي الله عنه”([13]).
([13])
– غزل بامرأة غير معينة لا تحل له شرعاً.
–
غزل بامرأة غير معينة لا تحل له شرعاً.
يقول الشافعي: “من شبب ولم يسم أحداً لم ترد شهادته”([14]). فقد بين الشافعي أن التشبيب بغير معينة لا يجرح عدالة الشاعر ولا يفسقه.
([14])
قال الأذرعي: “يجب القطع بأنه إذا شبب– أي الشاعر – بحليلته ولم يذكر سوى المحبة والشوق أو ذكر شيئا من التشبيهات الظاهرة أنه لا يضر وكذا إذا ذكر امرأة مجهولة ولم يذكر سوءا”([15]).
([15])
[15]
فقد كان يروى مثل هذا الغزل بين يدي رسول الله r، كما كان الصحابة رضوان الله عليهم([16])، كما أن التابعين وتابعيهم، بل أن الطبراني جمع جزءاً حافلاً في غزل التابعين وتابعيهم، وذكر هو وغيره عن جماعة كثيرين من الصحابة أنهم سمعوه ولم ينكروه([17]).
([16])
([17])
وجعل الغزالي لهذا النوع من الغزل ضابطاً وقيداً، من دونه يدخل المستمع في الحرمة وذلك بإن لا ينزله على الأجنبية في فكره، وإن نزله على من لا تحل له شرعاً فهو عاص بالتنزيل وإحالة الفكر فيه على أجنبية لاتحل له شرعا ([18]).
([18])
ولكن والله أعلم أنه قول الغزالي مجانبٌ للصواب، ذلك لأن النبي r يقول: ” إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها مالم تعمل، أو تتكلم”([19]).
([19])
غزل غير مشروع:
– غزل بامرأة معينة لا تحل له شرعاً : ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية([20]) والمالكية([21]) والشافعية([22]) والحنابلة([23])إلى عدم جواز التغزل بامرأة معينة لا تحل للمتغزل شرعاً.
–
غزل بامرأة معينة لا تحل له شرعاً :
([20])
([21])
([22])
([23])
في حاشية رد المحتار على الدر المختار قال: “واعلم أن ما كان حراما من الشعر ما فيه فحش أو هجو مسلم أو كذب على الله تعالى أو رسوله أو على الصحابة أو تزكية النفس أو الكذب أو التفاخر المذموم أو القدح في الأنساب وكذا ما فيه وصف أمرد أو امرأة بعينها إذا كانا حيين فإنه لا يجوز وصف امرأة معينة”([24]).
([24])
وقال أبو حامد الغزالي: “وما فيه وصف امرأة بعينها فإنه لا يجوز وصف المرأة بين الرجال”([25]).
([25])
كما يقول ابن قدامة: “الشعر يتضمن هجوه المسلمين والقدح في أعراضهم أو التشبيب بامرأة بعينها والإفراط في وصفها فذكر أصحابنا أنه محرم وهذا إن أريد به أنه محرم على قائله فهو صحيح، وأما على راويه فلا يصح([26])“.
([26])
وكما بين ابن قدامة فإن التحريم يكون على قائله لا على الراوي، ولعل من أسباب تحريم الفقهاء للغزل بامرأة معينة لا تحل شرعا هو فضح أمرها بين الناس مما يعود عليها وعلى أهلها بالضرر المعنوي فهو أشبه بحال الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة فقد كان الشعر يصل إلى القبائل العربية المتفرقة وينتشر بينهم، هذا والله أعلم.
_______________________________
([1]) انظر: لجنة أدباء الأقطار العربية،الغزل منذ نشأته حتى صدر الدولة العباسية،القاهرة، مصر، دار المعارف، ط2، 1964م، ص7.
([2])انظر: عالريني: عبدالله،منهج الادب الأسلامي، ص 28.وانظر: لجنة أدباء الأقطار العربية،الغزل منذ نشأته حتى صدر الدولة العباسية،ص7.
منهج الادب الأسلامي
([3])انظر: العسكر،عبدالمحسن، شعر الغزل ونظرة سواء،ص46.
شعر الغزل ونظرة سواء
([4])آثرت الدراسة استعمال مصطلح الغزل عن النسيب والتشبيب وذلك لشيوع إستخدامه عند المعاصرين.
([5])انظر: ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، (9/350). انظر: ابن عبد البر، الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، (2/896)- 896. الغزالي: محمد، الوسيط في المذهب، (7/351). ابن قدامة: عبدالله، المغني، (14/ 190).
رد المحتار على الدر المختار
الكافي في فقه أهل المدينة المالكي
الوسيط في المذهب
المغني
([6])كعب بن زهير بن أبي سلمة بضم أوله واسمه ربيعة بن رياح بكسرة ثم تحتانية بن قرط بن الحارث بن مازن بن خلاوة بن ثعلبة بن ثور بن لاطم بن عثمان بن مزينة المزني الشاعر المشهور صحابي معروف. انظر : بن حجر ، أحمد بن علي ،الإصابة في تمييز الصحابة،تحقيق : علي محمد البجاوي، بيروت لبنان، دار الجيل، الطبعة الأولى ، 1412، ج5، ص 595.
الإصابة في تمييز الصحابة
([7])ابن أبي عاصم: الآحاد والمثاني،تحقيق: باسم الجوابرة،الرياض، السعودية، دار الراية، ط1، 1411هـ–1991م،ج5،ص169. وانظر: تخريج سند الرواية بالتفصيل عند، المقبل، بدر، شعر الغزل في ضوء منهج الأدب الإسلامي، الدمام، المملكة العربية السعودية، دار ابن الجوزي، رسالة جامعية، (د.ط)، (د.ت)، ص360.
([8]) انظر: بن قدامة، عبدالله بن أحمد،المغني،تحقيق: عبدالله التركي وعبدالفتاح الحلو، الرياض، المملكة العربية السعودية، دارة الملك عبدالعزيز، ط5، 1431هـ-2010م، (14/165)
لمغني
([9])الهيتمي : ابن حجر ، أحمد بن محمد، كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع،تحقيق: محمد عبدالقادر عطا،بيروت،لبنان،دار الكتب العلمية،ط1، 1406هــ-1986م، ص55،ص54.
كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع
([10])المصدر السابق، ص 54.
([11])الآلوسي: محمود بن عبدالله،روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني،(10/147).
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني
([12]) انظر: بن قدامة، عبدالله بن أحمد،المغني،(14/165)
المغني
([13])الهيتمي : ابن حجر ، أحمد بن محمد، كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع،ص56.
كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع
([14])الشافعي: محمد بن ادريس، الأم، (7/514).
الأم
([15])الآلوسي: محمود بن عبدالله،روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني،(10/147).
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني
([16])انظر: بن قدامة، عبدالله بن أحمد،المغني،(14/165)
المغني
([17])الهيتمي : ابن حجر ، أحمد بن محمد، كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع،ص55.
أحمد بن محمد، كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع
([18])انظر : الغزالي،محمد،إحياء علوم الدين،بيروت،لبنان،دار الارقم، (د.ط)، (د.ت)، (2/373)
إحياء علوم الدين،بيروت
([19])رواه البخاري: محمد بن إسماعيل،الجامع الصحيح المختصر، ،تحقيق:مصطفىالبغا،باب الطلاق في الإغلاق والكره، حديث 4968، (5/ 2020).
الجامع الصحيح المختصر
([20]) انظر: ابن عابدين، محمد علاء الدين، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، (6/350).
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار
([21])انظر: بن عبدالبر، يوسف بن عبدالله،الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، (2/ 896).
الكافي في فقه أهل المدينة المالكي
([22])الغزالي: محمد، الوسيط في المذهب، (7/351).وانظر: هيتمي : ابن حجر ، أحمد بن محمد، كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع، ص56.
الوسيط في المذهب
كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع
([23]) انظر: ابن قدامة، عبدالله بن أحمد،المغني، (14/160)
المغني
([24])انظر: ابن عابدين،رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، (6/350).
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار
([25])انظر: الغزالي،محمد،إحياء علوم الدين،بيروت، (2/372).
إحياء علوم الدين
([26]) انظر: ابن قدامة،المغني، (14/160)
المغني