حبيبتي علامة الاستفهام
سعدية مفرح – الكويت
سعدية مفرح
– الكويت
@saadiahmufarreh
@
saadiahmufarreh
لو قدر للبشر أن يقعوا على أشكالهم من علامات الترقيم لوقعت فورا على علامة الاستفهام، أو لعلي وقعت في حضنها وتكورت في بطنها المنتفخ كجنين لا يريد الخروج من دوامة الأسئلة أبداً، فإن خرج منها يوما فإلى حفرة في الأرض تشبهها حيث عليه أن يواجه أسئلة الوجود كلها دفعة واحدة!
يقال أن السؤال هو بوابة المعرفة، وأنا أقول بل هو المعرفة كلها، بدايتها ونهايتها مرورا بكل ما تفضي أو تحيل إليه، تبدأ منه ولا تنتهي. ينتهي العمر مهما طال ولا تنتهي، فنموت ولكن أسئلتنا تبقى حية لدى الآخرين الذين يتركونها بدورهم لآخرين وهكذا تستمر الرحلة على طريقة الأسئلة.
وبقدر قدرتنا على إنتاج الأسئلة نستطيع الاستمرار في الحياة صعودا إلى كل ما هو جميل ونبيل وجليل. لذلك أنظر دائما للأسئلة التي أسمعها من الآخرين موجهة لي أو لغيري، لتكون أحد معاييري في الحكم على هؤلاء الآخرين.
السؤال بوابة المعرفة فعلا ولكنه أيضا بوابة الحياة كلها. تبدأ كل الأفكار المتحققة كإنجازات أو غير المتحققة، وبه أيضا تبدأ كل الأحلام الكبرى والصغرى. وكل إنجازاتنا كانت أحلام ثم أفكار وقبلها كانت مجرد أسئلة.
والسؤال في الكلام يتميز بنغمته الخاصة حتى من دون أن نستخدم أدواته اللغوية، حيث يميل الصوت ونحن نلقي السؤال لينسحب في نهايته بما يشبه الرجاء والتشوق. لكنه في الكتابة ينتهي بتلك العلامة المنحنية بشكل نصف دائرة تنسحب في نهايتها كما ينسحب الصوت، وتترك خلفها نقطة قابعة في الأسفل لتزيد الشكل أناقة وتزيد التشوق للمعرفة حدة.
يسميها البعض علامة سؤال، والبعض الآخر علامة استفهام، وبين التسميتين مسافة من الفهم الخاص لطبيعة السؤال أو الاستفهام في اللغة.
ورغم أن اللغة العربية حافلة بأدوات السؤال أو الاستفهام التي تستغني عنها أحيانا اتكاء على ذكاء القارئ أو المتلقي في تلقي الكلام، إلا أن تلك اللغة في شكلها المكتوب لم تهتم برسم علامة خاصة لها كما قد يبدو للبعض وهو يتفكر بشكل علامة الاستفهام المنحنية لتحتضن في انحاءتها الدائرية نهاية الكلام. فهو الشكل المستعار من اللغات المكتوبة الأخرى، ولم يعرفه العرب إلا قبل ما يقرب من مائة عام في سياق ما عرفوه من علامات الترقيم الحديثة كلها.
وقبل أسابيع شعرت بسعادة عندما اختارت إحدى مجموعات القراءة كتابي “سين” لتقرأه وتواجهني بأسئلته، فهذا الكتاب عبارة عن أسئلة كثيرة واجهني بها الآخرون فأحببت أن أحتفي بها من خلال كتاب عنونته ب “سين”، كناية عن السؤال في أبسط أشكاله وأعمقها أيضا.
ولم أكد أخرج من دوامة الأسئلة التي لاحقتني في جلسة النقاش لذلك الكتاب حتى باغتني سؤال صحفي أوحي لي بهذا المقال، وكان السؤال يقول؛ “علامات الترقيم من البناء المهم في اللغة خاصة الشعرية، فما أهم علامة ترقيم في حياتك؟في شخصيتك؟في موقفك من الحياة؟ ولماذا؟”.
ولم يدر الصحفي الزيمل أنه كان يجيب على سؤاله بنفسه وهو يسطر لي كل هذه العلامات المنحنية ضمن سؤاله، ولهذا حاولت اختراع إجابة أخرى فقلت أن علامة السؤال هي علامتي المفضلة، أحب ما تشي به من سؤال وأحب أن تبقى مفتوحة وبعد ذلك ليس مهما بالنسبة لي الإجابة نفسها بقدر أهمية السؤال. أنا أيضا أحب شكل علامة السؤال. هذه الإنحناءة التي تشبه امرأة حبلى بالغموض. أحب تلك النقطة الحاسمة القابعة تحت تلك الانحناءة. أحب عدم خضوعها للمسطرة المستقيمة وأحب حريتها في التكوين. أنا أيضا مليئة بالأسئلة وأحيانا أتخيلني كعلامة سؤال أنحني من دون أن أكمل الدائرة. أستدير على ذاتي لكنني لا أنغلق أبدا، وأحيانا أشعر بالضآلة كتلك النقطة اليتيمة القابعة أسفل تلك الانحناءة في علامة السؤال. أسئلتي لا تنتهي، الصغرى قبل الكبرى، فإن كنت أتشارك مع الآخرين في الأسئلة الكبرى يحلو لي أن أنفرد بأسئلتي الصغيرة وإنتاج المزيد منها. لكنني أظن أنني لست وحدى بالتأكيد من عشاق علامة السؤال إلى هذا الحد، والكرة الأرضية كلها أنظر لها أحيانا فتبدو لي وكأنها علامة سؤال معلقة في الفضاء محملة بأسئلة الناس والحياة كلها… ولا إجابات حاسمة.
انتهت إجابتي غير الحاسمة لكنني بقيت بعدها أتفكر في ظلال السؤال لأكتب هذا المقال.