أبجد

البت اللي اسمها نجاة الصغيرة!

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

البت اللي اسمها نجاة الصغيرة!

سعدية مفرح

 

@saadiahmufarreh

@

saadiahmufarreh

 

 

ما زلت أتذكر حوارا هاتفيا طريفا ولكنه موجع أيضا دار على الهواء بين مغترب مصري  ومذيعة برنامج تلفزيوني كانت تبثه الفضائية المصرية في أول ظهور فضائي لها في بداية تسعينيات القرن الماضي اسمه “من أغاني الأفلام”.

لم تكن الفضائيات العربية قد انتشرت، ولم يكن الفضاء قد امتلأ كما هو الواقع الآن بالصحون اللاقطة  الرابضة فوق أسطح البيوت والمحلات، وكنا في الكويت نتابع أول قناتين عربيتين فضائيتين وهما الفضائية المصرية والـ أم بي سي من غير استعانة بصحون لاقطة، بل بالهوائي المعتاد نتيجة اتفاق مبرم ما بين وزارة الإعلام الكويتية وهاتين الفضائيتين!.

لم تكن الفضائيات العربية قد انتشرت، ولم يكن الفضاء قد امتل

أ

كما هو الواقع الآن بالصحون اللاقطة  الرابضة فوق أسطح البيوت والمحلات، وكنا في الكويت نتابع أول قناتين عربيتين فضائيتين وهما الفضائية المصرية والـ أم بي سي من غير استعانة بصحون لاقطة، بل بالهوائي المعتاد نتيجة اتفاق مبرم ما بين وزارة الإعلام الكويتية وهاتين الفضائيتين!.

في ذلك الوقت كان برنامج “من أغاني الأفلام” أحد أهم البرامج المنوعة التي يتابعها الكثيرون من العرب وخصوصا أولئك المغتربين في أوروبا وأمريكا والذين وجدوا فيه فسحة للتواصل الحي مع جذورهم العربية.

وفكرة البرنامج تعتمد على تلبية طلبات المشاهدين الذين يتصلون على الهواء مباشرة ويطلبون أغنياتهم المفضلة من أغاني الأفلام العربية ، على طريقة البرنامج الإذاعي القديم “ما يطلبه المستمعون”، مع ما يرافق ذلك من حوارات تديرها المذيعة الظريفة والتي اشتهرت بعبارة “فضائية مصرية ..مين معايا؟”. 

 

يومها كنت أتابع إحدى الحلقات عندما اتصل مغترب مصري بدا من صوته أنه مسن بالمذيعة ليحييها على فكرة البرنامج، ثم تهدج صوته قليلا وهو يتذكر ما وصفه بأنه “فن زمان وأغاني زمان  وأفلام زمان”. وعندما سألته المذيعة عن أغنيته التي يحب أن يسمعها الآن في البرنامج ولمن يهديها، ذكر لها أغنية لأم كلثوم وأخرى لعبد الوهاب. ويبدو أن المذيعة لم تكن قد حضرت لأغنيات قديمة كي تبثها في البرنامج على اعتبار أن معظم ما يطلب منها ينتمي لأغاني الفيديو كليب الحديثة، فقد سألته وهي تبتسم ابتسامتها الشهيرة .. ألا توجد لديك خيارات أخرى؟ ألا تعرف مطربين جددا؟ فقال لها بمصريته التي لم تتأثر بإقامته الطويلة في أمريكا: لا .. أزاي؟ أعرف طبعا.. غير الكبار زي أم كلثوم وعبدالوهاب .. أنا باسمع الشباب برضه.. عندك مثلا شادية وفايزة أحمد وعبد الحليم وفريد والبت اللي اسمها نجاة الصغيرة كمان!

يا للهول..البت اللي اسمها نجاة الصغيرة كمان؟!!

من الواضح أن الزمن الذي كان يعيشه ذلك المغترب في دائرة مصر قد تجمد عنده في تلك اللحظة التي غادر فيها وطنه الى أرض الغربة. مرت عليه السنوات وتغير الزمن وكبر هو ومن حوله وعاش زمنه المتغير بكل مراحله كما يبدو في الأرض الجديدة لكنه احتفظ بصورة مصر كما تركها لأخر مرة. لم يستوعب أن كل من ذكرهم لم يعودوا شبابا بل أن أكثرهم لم يعد على قيد الحياة، وأن أكثر من جيل قد أعقبهم في مجال الغناء في مصر والوطن العربي. لم يستوعب أن نجاة الصغيرة قد كبرت، بل كبرت كثيرا ولعلها اعتزلت الغناء فعلا في وقت بث البرنامج. أو لعله لو فكر قليلا في الأمر لعرف واستوعب! لكنه لم يفكر أو لا يريد أن يفكر، فقد سكن في حنينه إلى بلاده الأولى وارتاح إليه وعندما أراد التعبير عنه عفويا كان من خلال تذكر مفردات الزمن القديم ورموزه وأسمائه واستحضارها لتكون سلاحه في مواجهة ما تخلفه الذكريات في النفس من وجع.

اتسعت عينا المذيعة دهشة وهي تستمع إلى ما يقوله المتصل الغارق في بحر الحنين إلى مصر زمان وأيام زمان وفن زمان ولم تجد ما تعلق به عليه، حتى أن ابتسامتها التي لم تكن لتفارقها طوال الحلقة تلاشت قليلا في ظل الدهشة المباغتة التي ألمت بها وعقدت لسانها فتمتمت بكلمات تداري بها الموقف.

ورغم أن موقفا كهذا يحدث غالبا على الهواء أمامنا ويمر بسرعة ويتلاشى في زحمة الذاكرة ، إلا أنه بالنسبة لي ظل عالقا في ذاكرتي حتى الآن. وكلما أردت تعريف الحنين شٓخُصٓ الحوار القديم ما بين المتصل المغترب والمذيعة أمامي من جديد. فهو على بساطته وعفويته يلخص موقفا كاملا تجاه المعنى الوجودي للوطن لدى كل منا. الوطن ليس جغرافيا ولا تاريخ أو جنسية أو شهادة ميلاد أو انتماء وحسب، ولكنه فوق هذا وقبله وبعده حنين يتوقف عنده الزمن.. كل الزمن!  

 

 

Your Page Title