أثير – تاريخ عمان
للصحافة العمانية تاريخ وشخصيات سطعت في عالم الصحافة التي يجب أن توثق للأجيال جيلا بعد جيل فلكل شيئ تاريخ نضال ومعاناة تسطّر ملاحمها في صفحات التاريخ، وبمختلف الجوانب حتى إن كنا نتحدث عن تاريخ الصحافة العمانية، أو روادها منذ بدايات انتشار المطابع في زنجبار ابان الحكم العماني لتلك الأنحاء في شرقي أفريقيا .

ولأن الصحافة هي المهنة التي كانت تحرك بمقالاتها الكثير من الشعوب للإصلاح بفترة مناهضة الإستعمار، وتحريك الأقلام ضد الفساد السياسي، والاجتماعي والاقتصادي لصالح الأمم والشعوب في ظل غياب أدوات التواصل الحديثة، فإنه لا شك بأن الكثير من الصحفيين في ذلك الزمان بداية سطوع الصحافة العمانية في افريقيا عبر جريدة الفلق، والنهضة كان لهم من الأهمية التي تعادل العمل السياسي بأي حكومة تمارس عملها .
ومن هنا كان لزاما علينا أن نسلّط الضوء على شخصية كان لها دور بارز في بدايات تاريخ الصحافة العمانية كشخصية صاحب السمو السيد سيف بن حمود بن فيصل بن تركي بن سعيد بن سلطان بن الإمام أحمد بن سعيد الذي ينحدر مباشرة من سلالة المؤسس الأول لأسرة آل بوسعيد .
ولد السيد سيف بن حمود في محافظة مسقط عام 1916م ، وقد بدأ تعليمه في طفولته بمدارس خاصة لتعليم اللغة والدين، ومن ثم أكمل دراسته في المدرسة السعيدية بمسقط ، وقد هاجر إلى زنجبار عام 1935م ، ومن ثم عاد إلى مسقط ليتقلّد منصب نائب والي ولاية مطرح عام 1939م ، وبعدها عاد إلى زنجبار ليمارس التجارة والأعمال الحرة .
وقد تقلّد السيد سيف لإهتمامه بمصلحة البلاد من الناحية السياسية، والاجتماعية ،والاقتصادية، والثقافية عضوية المجلس التشريعي بزنجبار، وترأس في بعض الفترات الجمعية العربية، ورابطة أولياء الأمور، وكان كثير الترحال إلى مصر، وسوريا، والعراق، والسعودية، وذلك لتأمينه الكثير من البعثات التعليمية لأبناء زنجبار إلى هذه الدول .
ولإهتمامه مثلما أسلفناه أعلاه بالجانب الثقافي والسياسي فقد ترأس تحرير جريدة الفلق من عام 1949 حتى عام 1950م ، وقد كان ينتقد في مقالاته كثيرا الحكومة والإستعمار البريطاني، وشارك في المظاهرات الشعبية في شوارع زنجبار بهدف إعطاء العنصر العربي أدوارا أكثر فعالية في العمل السياسي والحكم قبل الإستقلال، وهذا ما أثار حفيظة الإستعمار وأدين وقدّم للمحاكمة، ولكن تم إخلاء سبيله لعدم شرعية محاكمته التي سقطت لعدم اصدار إذن مكتوب من قبل سلطان زنجبار لمحاكمة أحد أفراد الأسرة الحاكمة بسبب مقالاته الصحفية المناهضة للإستعمار.
ولقد كان السيد سيف من الذين لعبوا أدوارا سياسية عديدة في زنجبار بجانب عمله الصحفي، إذ ساهم في التقريب بين الحزب الوطني، وحزب شعب زنجبار، والجزيرة الخضراء ليكونوا جبهة واحدة لتمكين الجبهة العربية الموحدة من تأسيس حكومة ائتلاف موحد يحافظ على حقوق العرب قبل وبعد الإستقلال، وتنافس حزب الأفروشيرازي الذي كانت جميع توجهاته ضد الوجود العربي في زنجبار، ولذا فلا غرابة أن نجد أن صاحب السو السيد سيف بن حمود كان من أبرز المعارضين لفكرة عضوية غير الزنجباريين والذين يرفضون الجنسية الزنجبارية في المجلس التشريعي، ورفض بشكل قوي توجه الحكومة في هذا
الإجراء، وحاول أن يدفع بالجمعية العربية أن تساند رفضه ولكن كل ذلك باء بالفشل نتيجة تخاذل الجمعية من الإلتفاف حول مطلبه للضغط على الحكومة ،بل أن الجمعية ذاتها اتفقت مع الإدارة البريطانية في زنجبار عام 1952م على قبول قانون الإنتخاب الجديد الذي يسمح لغير الزنجبارين أو اصحاب الجنسيات المزدوجة المشاركة والتصويت في انتخابات الجزيرة ، ولذا فقد أصبح مثلا للهنود والباكستانية من لديهم الجنسية البريطانية بجانب جنسياتهم الأصلية الحق في المشاركة بالإنتخابات!
وبسبب تخاذل الجمعية في ذلك، فقد انقسمت إلى تيارين تيار محافظ تقليدي موافق على قانون الإنتخاب الجديد ، وتيار راديكالي معارض لهذا القرار يقوده السيد سيف بن حمود الذي اعتبره البعض أول من دعا إلى مناهضة الإنجليز في زنجبار بشكل علني وسلمي من خلال مقالاته الصحفية التي كان يكتبها بقوة في صحيفة النهضة التي أسسها وظهرت بإدارته لأول مرة في 18/1/ 1951م .
وقد كانت الصحيفة تتخذ العديد من الموافق السياسية المتشددة ضد الحكومة المحلية والمقيم البريطاني في زنجبار الأمر الذي أدى إلى ايقافه والتحقيق معه بسبب بعض المقالات والموضوعات التي تنشرها، والتي كانت تصدر باللغتين العربية والانجليزية، وبعض مقالاتها كانت تترجم الى السواحلية مما جعلها تلقى قبولا واسعا من قبل القراء في زنجبار الذين كانوا يتهافتون على اقتنائها حيث وصل أرقام توزيعها أسبوعيا إلى 500 نسخة .
إن العمل الصحفي لدى السيد سيف وهو يعتبرأحد رموز تيار القومية الزنجبارية أنذاك كان يمثل لديه قناعة خاصة وتضحية خالصة في سبيل خدمة زنجبار وشعبها في تلك الفترة الزمنية الصعبة التي تمر بها البلاد ، حيث كان يقول مؤكدا على ذلك :” عندما عزمت على خدمة بلادي عن طريق الصحافة عقب تجاربي الطويلة في الكتابة بالصحف المختلفة أو بعد دراسات شاقة في عالم الصحافة أخذت من صحتي وكنت أتوقع بعد هذه الدراسة التي جاهدت طويلا من أجلها وذقت ألم النقد المرير والتجريح في سبيلها ،، أن أجد طريقي الآن إلى العمل الصحفي ممهدا لأحقق رغبة عظيمة كانت ولا تزال تجيش في صدري رغبة جارفة ضحيت بالكثير من أجلها ولا زلت صحتي مالي تقاليد عائلتي وفوق ذلك آثرتها عن أعز شيئ عندي وضربت بتلك التقاليد التي لا تنظر إلى مهنة الصحافة بعين الرضى حتى اليوم، ولكنني فوق ذلك لا آسف على شئ من هذا لثقتي التي لا حد لها، برسالتي وايماني العظيم بالله.. ( آل سعيد عام 1953م) “.