أبجد

غرفة فرجينيا لا تكفي

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

غرفة فرجينيا لا تكفي! 

سعدية مفرح

 

 فرجينيا وولف: “كل امرئ يضمر ماضيه كأوراق كتاب حفظه عن ظهر قلب، وأصدقاؤه لا يقرأون إلا العنوان”، وكان العنوان الذي يخص هذه الكاتبة الإنجليزية المثيرة يقول “غرفة تخص المرء وحده”! 

لم تكتب فرجينيا وولف في هذا الكتاب ماضيها المضمر لكنها وضعت قاعدة بسيطة وعميقة يحتاجها كل كاتب رغم الإطار النسوي البحت الذي وردت فيه. قاعدة فرجينيا وولف تقول إن كل من يود الكتابة يحتاج غرفة تخصه وحده، ودخلاً ماليا منتظما وإن كان في الحد الأدنى الذي لا يوفر له سوى احتياجاته الأولية كإنسان، ولا شيء بعد ذلك يبدو مهماً. 

لم تكتب فرجينيا وولف في هذا الكتاب ماضيها المضمر لكنها وضعت قاعدة بسيطة وعميقة يحتاجها كل كاتب رغم الإطار النسوي البحت الذي وردت فيه. قاعدة فرجينيا وولف تقول

إ

ن كل من يود الكتابة يحتاج غرفة تخصه وحده، ودخلاً ماليا منتظما وإن كان في الحد الأدنى الذي لا يوفر له سوى احتياجاته الأولية كإنسان، ولا شيء بعد ذلك يبدو مهماً. 

كثيرون اعتبروا كتاب فرجينيا الرشيق ثورة نسوية على ذكورية القرن العشرين حيث اتخذت منه النسويات وثيقة تحرر بالغة الشفافية والرهافة والحزم أيضا، في حين قرأه بعضهم في سياق السيرة الذاتية لفرجينيا التي لم تسمح لها عائلتها المحافظة بالذهاب إلى المدرسة حيث بقي ذلك الأمر المعتاد بالنسبة لأسرة تكونت في السياق التاريخي لبريطانيا الفيكتورية، غصة لم تستطع تلك الفتاة الموهوبة في القص ومراقبة البشر بلعها يوما، لكن فيرجينيا في ذلك الكتاب الذي أصدرته في نهاية عشرينيات القرن العشرين تبدو وكأنها تحضر تفاصيل مشهدها الوجودي الأخير في الحياة لا ككاتبة صحفية ولا كروائية ولا كناقدة بل كامرأة لم تستطع الموهبة وحدها أن تنقذها من مصيرها المحتوم غرقاً في النهر القريب من منزلها.

كثيرون اعتبروا كتاب فرجينيا الرشيق ثورة نسوية على ذكورية القرن العشرين حيث اتخذت منه النسويات

 

وثيقة تحرر بالغة الشفافية والرهافة والحزم أيضا، في حين

 

قرأه بعضهم في سياق السيرة الذاتية لفرجينيا

 

التي لم تسمح لها عائلتها المحافظة بالذهاب إلى المدرسة حيث بقي ذلك الأمر المعتاد بالنسبة لأسرة تكونت في السياق التاريخي لبريطانيا الفيكتورية، غصة لم تستطع تلك الفتاة الموهوبة في القص ومراقبة البشر بلعها يوما، لكن فيرجينيا

 

في ذلك الكتاب الذي أصدرته في نهاية عشرينيات القرن العشرين تبدو وكأنها تحضر تفاصيل مشهدها الوجودي الأخير في الحياة لا ككاتبة صحفية ولا كروائية ولا كناقدة بل كامرأة لم تستطع الموهبة وحدها أن تنقذها من مصيرها المحتوم غرقاً في النهر القريب من منزلها

.

استسلمت الروائية، التي اختيرت واحدة من رواياتها لاحقا ضمن قائمة أهم رواية في تاريخ الأدب العالمي،  لرغبتها العارمة في الكتابة وفقا لأسلوب التداعي الحر الذي امتلكت زمامه بموهبة نادرة، فأنتجت عددا كبيرا من الأعمال الكتابية التي تنوعت ما بين القصص القصيرة والروايات والمقالات الصحفية والكتب النقدية، الترجمات. لكن نوبات الاكتئاب التي بدأت تزورها بانتظام منذ أن فاجأتها أول نوبة بعد رحيل والدها، الذي كانت ترتبط معه بعلاقة صداقة تتعالى على الأبوة، وهي في الثالثة والعشرين من عمرها لم تتركها لشأن الكتابة وحدها

استسلمت الروائية، التي اختيرت واحدة من رواياتها لاحقا ضمن قائمة أهم رواية في تاريخ الأدب العالمي،

  

لرغبتها العارمة في الكتابة وفقا لأسلوب التداعي الحر الذي امتلكت زمامه بموهبة نادرة، فأنتجت عددا كبيرا من الأعمال الكتابية التي تنوعت ما بين القصص القصيرة والروايات والمقالات الصحفية والكتب النقدية، الترجمات. لكن نوبات الاكتئاب التي بدأت تزورها بانتظام منذ أن فاجأتها أول نوبة بعد رحيل والدها، الذي كانت ترتبط معه بعلاقة صداقة تتعالى على الأبوة، وهي في الثالثة والعشرين من عمرها لم تتركها لشأن الكتابة وحدها

قبل تلك النوبة كانت فرجينيا تتهيأ نفسياً للوقوع في شراك اضطراب نفسي متدرج توافقا مع حلقات الفقد في سلسلة حياتها. لقد فقدت والدتها قبل أن تكمل الثالثة عشرة من عمرها وبعدها بسنتين لحقت بها الشقيقة الكبيرة التي كانت قد حلت محل الأم، وبعدها بسنوات قليلة فقدت شقيقها. وعندما فقدت والدها أخيراً شعرت أنها قد بلغت حافة اليأس في مقاومة الموت الذي يتخطف رفاق الحياة بشراسة الواثقين. لم تعمد فرجينيا إلى الكتابة للدفاع عن فكرة الحياة ولا مقاومة للموت بل ربما فعلت ذلك استسلاما له وتحضيرا لاستقباله أو حتى استدراجه في الوقت الذي يناسبها

قبل تلك النوبة كانت فرجينيا تتهيأ نفسياً للوقوع في شراك اضطراب نفسي متدرج توافقا مع حلقات الفقد في سلسلة حياتها. لقد فقدت والدتها قبل أن تكمل الثالثة عشرة من عمرها وبعدها بسنتين لحقت بها الشقيقة الكبيرة التي كانت قد حلت محل الأم، وبعدها بسنوات قليلة فقدت شقيقها. وعندما فقدت والدها أخيراً شعرت أنها قد بلغت حافة اليأس في مقاومة الموت الذي يتخطف رفاق الحياة بشراسة الواثقين. لم تعمد فرجينيا إلى الكتابة للدفاع عن فكرة الحياة ولا مقاومة للموت بل ربما فعلت ذلك استسلاما له وتحضيرا لاستقباله أو حتى استدراجه في الوقت الذي يناسبها

وعندما شعرت أن الوقت يناسب موتها فعلاً جلست إلى طاولة الكتابة وانساقت وراء الأسى الذي تسرب من بين شقوق الروح ليغرق الأوراق البيضاء أمامها. كان عليها في تلك اللحظة أن تعترف لنفسها بهزيمتها في معركة الحياة لكنها ستقنع نفسها أنها ستذهب لأبعد خط من خطوط الهزيمة  بكامل الوعي. كانت تظن أن نوبات الاكتئاب المتسارعة ستذهب بقدراتها العقلية وتودي بها إلى جنون لا يبقي ولا يذر من الموهبة، أي من الشيء الحقيقي الوحيد الني كانت متيقنة أنها تمتلكه بشكل فعلي. في تلك اللحظات البالغة الصخب في أعماقها قررت فرجينيا وولف أن تغلق عليها غرفتها التي تخصها وحدها وتكتب رسالتها الأخيرة إلى زوجها والعالم كله؛عزيزي.. أنا على يقين بأنني سأجن، ولا أظن بأننا قادرين على الخوض في تلك الأوقات الرهيبة مرة أخرى، ولا أظن بأنني سأشفى هذه المرة. لقد بدأت أسمع أصواتاَ وفقدت قدرتي على التركيز. لذا سأفعل ما أراه مناسبا. لقد أشعرتني بسعادة عظيمة ولا أظن أن أي أحد قد شعر بسعادة غامرة كما شعرنا نحن الاثنين معاً إلى أن حل بي هذا المرض الرهيب. لست قادرة على المقاومة بعد الآن، وأعلم أنني أفسد حياتك، وأنك من دوني ستحظى بحياة أفضل. أنا متأكدة من ذلك،  أترى؟ لا أستطيع حتى أن أكتب هذه الرسالة بشكل جيد. لا أستطيع أن أقرأ. كل ما أريد قوله هو أنني أدين لك بسعادتي. لقد كنت رائعا بالنسبة لي وصبوراَ علي. الجميع يعلم ذلك. ولو كان بإمكان أحد ما أن ينقذني فسيكون أنت. فقدت كل شيء عدا يقيني بأنك شخص جيد. لا أستطيع المضي في تخريب حياتك ولا أظن أن أحدا شعر بالسعادة كما شعرنا…”. 

وعندما شعرت أن الوقت يناسب موتها فعلاً جلست إلى طاولة الكتابة وانساقت وراء الأسى الذي تسرب من بين شقوق الروح ليغرق الأوراق البيضاء أمامها. كان عليها في تلك اللحظة أن تعترف لنفسها بهزيمتها في معركة الحياة لكنها ستقنع نفسها أنها ستذهب لأبعد خط من خطوط الهزيمة  بكامل الوعي. كانت تظن أن نوبات الاكتئاب المتسارعة ستذهب بقدراتها العقلية وتودي بها إلى جنون لا يبقي ولا يذر من الموهبة، أي من الشيء الحقيقي الوحيد الني كانت متيقنة أنها تمتلكه بشكل فعلي. في تلك اللحظات البالغة الصخب في أعماقها قررت فرجينيا وولف أن تغلق عليها غرفتها التي تخصها وحدها وتكتب رسالتها الأخيرة إلى زوجها والعالم كله؛

تركت فرجينيا رسالتها على الطاولة، وربما ألقت نظرة أخيرة على كتبها الكثيرة الني تحتل رفاً مميزا من رفوف مكتبتها قبل أن ترتدي معطفها وتخرج من البيت باتجاه النهر. لا أحد يعلم بالضبط بماذا كانت تفكر وهي تمضي في طريقها وتنحني كلما لاحت لها حجارة تكفي لتنفذ إلى جيب معطفها.. عندما وصلت حافة النهر كانت جيوبها قد امتلأت بالحجارة فأكملت طريقها الى وسط النهر حتى اختفت.. اختفت تماما وطويلاً. 

في واحدة من عباراتها اللافتة تقول فرجينيا أن الأحداث الني لم تدون لم تحدث فعلاً، وفرجينيا دونت في رسالتها إلى زوجها نيتها في الموت لكنها لم تقل أنه الموت، فذهبت إليه في ما يشبه الشك وبتداع حر كالذي تجيد كتابته وجعل منها واحدة من أهم روائيي العالم على الإطلاق من دون أن يأخذ بيدها إلى لذائذ الحضور. كانت فرجينيا تمتلك غرفتها الخاصة لكنها كما يبدو لم تكن تكفي!! 

 

Your Page Title