تاريخ عمان

الجزء الثامن من تفاصيل رحلة أول سلطان عربي في التاريخ تطأ قدمه بريطانيا سنة 1875م

الجزء الثامن من تفاصيل رحلة أول سلطان عربي في التاريخ تطأ قدمه بريطانيا سنة 1875م
الجزء الثامن من تفاصيل رحلة أول سلطان عربي في التاريخ تطأ قدمه بريطانيا سنة 1875م الجزء الثامن من تفاصيل رحلة أول سلطان عربي في التاريخ تطأ قدمه بريطانيا سنة 1875م

 

أثير – تاريخ عمان

 

 الجزء الثامن من تفاصيل رحلة أول سلطان عربي في التاريخ تطأ قدمه بريطانيا سنة 1875م:

 

في زيارة السلطان لمعمل الأسلحة في ويليج:

من دخل معمل الأسلحة في ويليج كأنه دخل معامع الحروب بعينها، فإنه يشاهد في عرصة المعمل مدافع ضخمة منها مشققة ومنها مكسورة ومنها معطلة من كثرة الاستعمال.

 

وهذا المشهد المكرب يذكره بانكسار الجيوش وهزيمة عددهم وأوائل دفاعهم ودمار ديارهم.

 

وكلما ازدادت الأمة البريطانية اقتدارا ازداد معمل أسلحتها كبرا واتساعا وكان هذا كله غير خاف على إدراك سعادة السيد برغش وكان يود أن يرى بعينيه ما قد أدركه بعقله الراجح .ولما كانت الساعة الثانية بعد الظهر وصل السلطان في حشمه إلى معمل الأسلحة وكانت فرقة من الجنود مصطفة على باب مسبك المدافع في سلام سعادته ، ثم خرج اللورد يوستاس سيسيل والماجيور جنرال سار ادي مدير المعمل والكولونيل كمبل وغيرهم ولاقوا سعادة السلطان بالترحاب والسرور وكان في معيته وزراؤه وحضرة باجر الفقيه والدكتور كيرك ومستر كليمنت هيل وأدخلوهم إلى قاعة الاستقبال .

 

وبعد ذلك ساروا بالسيد إلى أماكن الشغل يتفرجون على طريقة صنع الأسلحة وصهر المعادن وسبكها وتطريقها وهندامها، وفيما كان الناس واقفين ينتظرون بدء الشغل ولم يشاهدوا شيئا سوى مطرقة مهولة وكماشة عظيمة وسندان ضخم إذا بباب الأتون فتح وانبعث من لهيب جهر العيون وشاطت أهداب العيون بتشعع اللهيب المنبثق وتجعد الرأس واللحى من أجيج النار، فلما رأى السيد برغش أجاره الله ذلك قال لحشمه: ” هلموا بنا إلى الصلاة فقد انفتحت في وجوهنا أبواب جهنم ونارها والعياذ بالله منها”.

 

ثما ساروا بسعادة السلطان إلى مخزن المدافع فشاهد فيها أصنافا كثيرة كبيرة منها عيار كلته تسعة طولونات مركب على دواليب عالية ومنها ما كان عيار 25 طنا ومنها ما كان عياره ستة عشر طنا، فتعجب السيد ومن كان معه من تلك الأسلحة المهلكة لبني آدم التي قد أفرغت فيها العقول الذكية ما عندها من البراعة بحجة التمدن وما ذاك إلا أقصى درجة من التوحش قد جمله الطمع البشري برداء التمدن والتقدم وكان خيرا لو يفر المرء قوى عقله في اختراع أوائل العمران ويزهد فيما يهلك الإنسان والحيوان، ولكن طبع المرء أقرب إلى الشر من الخير.

 

وبعد هذا المنظر قال السيد برغش متبرئا: ” العياذ بالله من شرها وشر الشيطان الرجيم ولي ثقة بكم يا معشر الإنكليز أن لا تستخدموا هذه الأوائل المهلكة بحجة الغزو والطمع في إهلاك الأبرياء، وإنما تتخذونها لصيانة الملك وحماية الضعيف ونجاة المظلوم”.

 

فلما سمع الإنكليز ذلك صفقوا بأيديهم علامة السرور وقالوا حبذا حبذا نعم المقال.

 

ثم دخلوا بسعادته إلى معمل البواريد والمكاحل، ثم ساروا إلى مخزن عدد الخيل وسروجها وكانت كلها موضوعة بترتيب حسن ونظام جميل يرتاح إليه الناظر، وفيما كان السيد سائرا في صحن ذلك المخدع كان نحو مائة نفس من الرجال والنساء والأولاد مصطفين عن يمينه وشماله، فلاحت منه التفاتة إلى بعض البنات الصغار وكن لابسات ملابس بيضاء زادتهن حسنا وجمالا فوقف السلطان برغش والتفت إلى من كان إلى جانبه وأشار بيده إلى الفتيات وقال ” يا للعجب كل العجب أني أرى ملائكة السلام تتجول في عرصات الحرب وهي آمنة لا خوف عليها”.

 

ثم طلب السيد بلطفه المعهود أن يحضروا إليه أولئك الفتيات فأحضروهن إليه وكن على جانب عظيم من الحشمة والأدب والتهذيب وأخذت كل منهن تصافح يد سعادته بيدها اللطيفة وتسلم عليه بلغتها الإنكليزية وماء الملاحة يقطر من شفتيها العذبتين فتبسم السيد في وجههن بأنس وسرور ودعا لهن بطول العمر والإقبال فشكرن لطف سعادته وانصرفن إلى أبويهن وهن يطربن فرحا.

 

ثم خرجوا بالسيد وأدخلوه مخدعا كانت فيه مدافع الميتراليوز وهي مدافع مركبة من أنابيب عديدة، فأحضروا واحدا إلى السيد ليراه فلما نظر إليه تعجب وقال لحضرة باجر الفقيه: ” من كم أنبوب مؤلف هذا المدفع؟” فقال الفقيه: ” مؤلف من اثني عشر أنبوبا، ومن الغريب يا سعادة السلطان أن واحدا من أهالي أشانتي بجنوب غانا لما رأى هذا المدفع وقت حرب الإنكليز معهم يئس من القتال وذبح نفسه مخافة أن يقع قتيلا بإطلاق ذلك المدفع”.

 

فقال السيد برغش: ” لا عجب في ذلك فإن الموت البارد خير من الموت المحرق”.

 

وبعد نحو ساعتين من الزمان فرغ من الفرجة السيد برغش وشكر مدير معمل الأسلحة مكارمه، ثم صافحه وركب مركبته يريد منزله العامر فخرجت الموسيقى العسكرية في أثره وهي تعزف بمقامة الدولة البريطانية وأطلقت الجنود 21 مدفعا علامة الوداع.

 

وفي اثناء عودة السلطان برغش إلى مسكنه في لندن رأى الإنكليز في المدينة يترددون على الحدائق والجنائن وهم في حبور وسرور فالتفت إلى وزرائه الذين كانوا في معيته: ” انظروا إلى هذا الشعب السعيد وإلى ما هم عليه من الحرية والغبطة انظروا إلى أولادهم وبناتهم كيف يمرحون طربا وهم آمنون لا خوف عليهم ولا هم يجزعون، وما هذا إلا نتيجة العمران وتحقيق العدالة والإنصاف فيهم، فقد سبقونا إلى هذه الغبطة فعلينا أن نقتفي آثارهم ونجد في تحصيل ما أدركوه من أجيال عديدة عسانا ندرك ما أدركوه ونكون نعم المفلحين”.

 

في زيارة السلطان لمدينة بيرمنكهام:

 

عرف أهل بيرمنكهام من صحائف الأخبار نية سعادة السلطان القدوم إلى مدينتهم بقصد الفرجة على ما فيها من المعامل والصنائع فاستعدوا لملاقاته خير استعداد وخرج منهم جمع غفير إلى محطة سكة الحديد ينتظرون قدومه.

 

فلما كانت الساعة الواحدة بعد الظهر وصل السلطان إلى محطة بيرمنكهام وكانوا قد فرشوا أرض المحطة بالجوخ الأحمر وفرشوا الدرج بطنافس جميلة وقبل أن ينزل السيد من القطار تقدم والي البلد ألدرمن بيكس ودخل إلى السيد وسلم عليه ورحب بقدومه ثم استأذنه أن ينزل ويشرف المدينة فأجاب السيد طلبه ونزل مع من كان في معيته.

 

وكان الشعب قد تقاطر بازدحام ليرى سعادة السيد ويسلموا عليه، فلما رأوه مارا كشفوا عن رؤوسهم حسب عوائد الإنكليز وسلموا عليه، وكان السلطان يرد السلام عليهم بأنس وبشاشة ويشكر لهم على مكارمهم.

 

ولما دخل السيد دار المحطة كان الخدم قد هيأوا له سفرة متفننة بالمآكل وهيأوا كذلك له مركبة ملوكية تجرها أربعة رؤوس خيل، فركب فيها السلطان ومعه السيد حمود بن حمد والدكتور كيرك ووالي بيرمنكهام، وكان الشعب مصطفا في الشوارع التي مر بها السلطان يكشفون قلانسهم عن رؤوسهم وحيوه بألطف سلام بأعلى أصواتهم، وكان حراس المدينة يحافظون على الترتيب والهدوء ومنع القلاقل من جراء الزحام.

 

ولما وصل السيد إلى محل مستر هنري اوسلر خرج مدير المحل وأتباعه لملاقاته وأدخلوه قاعة فسيحة حوت من كل فن خبرا واحتوت على أصناف البلور المنقوش والملون بأرناج (أشكال ) مختلفة فسر السيد من مشاهدتها ومشاهدة أوانٍ من البلور الأحمر وثريات جميلة الصنع كانت معلقة في سقف المحل برسم البيع، وكان بينهما ثريتان تفوقان البقية حسنا وجمالا وكانت الواحدة منهما مصنوعة في زي الثريات الشرقية فيها 32 مصباحا بالزيت أو الشمع وثانيها من 24 مصباحا من الغاز الهيدروجيني .

 

ثم ساروا بالسيد إلى محل شغل البلور وعمل الثريات والأواني والأقداح وغيرها فالتفت إلى رجاله وقال مازحا مسرورا: ” الآن صرت أعرف كل أسرار البلور وطريقة عمله “.

 

وفيما كان السلطان خارجا من محل الشغل كانت صبية من اللاتي يشتغلن في المحل تشتهي أن ترى سعادته، فخطر لبالها أن تخفي نفسها وراء مصراع باب القاعة التي خرج منها السيد فلما دنا من الباب لاحت منه التفاتة إلى مصراع الباب فرأى وراءه شخصا يبص بعينيه ويسرق النظر إليه فدرى بأن الصبية تطمع في مشاهدة سعادته ولكن الحياء ألجأها إلى التخفي فدنا من مصراع الباب ورده قليلا حتى جعل الصبية تنظر إلى سعادته مليا وتشفي غليلها وتفتخر على رفيقتها بأنها شاهدت سلطان زنجبار أحسن من جميعهن.

 

ثم خرجوا بالسيد وساروا به إلى معمل البواريد والمكاحل ، ثم سافروا إلى محل آخر اسمه أستن للفرجة على معرض الأموال وبضائع مختلفة الأصناف وكانت الموسيقى تعزف بالألحان الرخيمة ومقامة الدولة البريطانية .وبعد أن انتهى السيد من الفرجة وأراد الخروج هطل مظر غزير كاد يبلل ملابسه الرقيقة فقد كان وقتئذ لابسا رداء في زي جبة من الشال الأسود وعلى زيقها وأكمامها نقش بالقصب والحرير الملون وعليه ثوب أبيض من الكتان الخالص وفي يده خاتم ثمين من الذهب الإبريز بحجر زمر كريم جدا وكان حاملا سيفا نفيسا وخنجرا قبضته من الفضة النقية وكان غطاء رأسه عمامة مزركشة ومتمنطقا بشال كشميري غال مزركش بالذهب ومعلقة فيه ساعة من ذهب في سلسلة من الذهب الإبريز الخالص، فلما اشتد المطر استعجل السلطان إلى مركبته وعاد برجاله إلى منزله بالسلامة .

 

في سفر السيد إلى مدينة ليفربول :

 

سافر السلطان من بيرمنكهام نهار الاثنين 5 جولاي (تموز) يريد الفرجة على مدينة ليفربول، وكان في رفقة سعادته السيد حمود والسيد حمد بن سليمان والسيد ناصر بن سعيد والشيخ محمد بن سليمان الفاصل للدعاوى الشرعية وتاريا توين التاجر الهندي والدكتور كيرك جنرال الدولة الإنكليزية والفقيه جرجس باجر ومستر هيل، فركبوا قطار سكة الحديد وساروا على بركة الله.

 

فاجتمع الناس في سكة الحديد ليشاهدوا سعادته ويرحبوا بقدومه، فلما وصل السلطان إلى محطة سكة الحديد بليفربول كان المأمورون قد بسطوا أرض المحطة بطنافس إلى باب الدار التي كانوا قد هيأوها لسكنى سعادته، وكانوا قد وضعوا كرسيا على الجانبين لجلوس الأعيان والأكابر الذين كانوا قد حضروا إلى المحطة لاستقبال سعادته وكان قد اجتمع في المحطة أناس كثيرون لا يحصى عددهم ولضيق المكان صعد كثيرون إلى ظهر أرتال السكة ليغتنموا مشاهدة سعادة السيد.

 

وفي غضون ذلك اتى والي البلد لفتنت كرنل ستابل لملاقاة السلطان وكان بصحبة الوالي ناظر المدينة مستر جون بيرسن ومستر جون والكر والي ليفربول سابقا وغيرهم من أعيان البلد.

 

ولما وقفت أرتال السكة الحديد في المحطة خرج منها مستر هيل أولا وكلف والي البلد أن يرافقه ليدخل به إلى سعادة السلطان ففعل واستأذن إليه أن يخرج ويشرف البلد بحضوره، فلما خرج السلطان برغش طفقت الموسيقية تعزف بمقامة جديدة كان قد نظمها مستر بيرد هول معلم الموسيقية وسماها المقامة الزنجبارية إجلالا لسعادته، فسار السيد وحشمه مصحوبا بوالي المدينة ورجاله إلى الدار المعدة لهم، فلبثوا فيها ساعتين ليرتاحوا من تعب الطريق.

 

وفي غضون ذلك اجتمع أهل المدينة من الرجال والنساء والأولاد ما لا يحصى عددهم، وملأوا الأزقة والشوارع وهم ينتظرون خروج سعادته من الدار ليشاهدوا وجهه الأنور، وفي أثناء ذلك كان بعض من رجال سعادته واقفين في شرفة عالية من الدار يتفرجون على الناس المجتمعين فرآهم بعض من السيدات ورفعن مناديلهن البيضاء وصرن يخفقن إياها في الهواء علامة السلام على رجال السلطان وهن يبتسمن في وجوهن بلطف وبشاشة، فرد رجال سعادته السلام عليهن بأيديهم بأنس وحشمة.

 

ثم حضرت فرقة من الشرطة واصطفوا في الطريق لمنع الناس من الازدحام وفي أثناء ذلك أتت مركبة والي المدينة تجرها أربعة رؤوس خيل مطهمة فيها السيد ومركبتان أخرى لرجاله وساروا وهو قاصدين دار الولاية والشعب بازدحام يحبذهم ويرحب بقدومهم.

 

فلما وصل السلطان إلى دار الولاية خرج إلى لقائه والي البلدة وأعوانه وأدخلوا سعادته قاعة الاستقبال وكان فيها شعب غفير من الرجال والنساء لابسات ملابس بيض فاخرة وجميعهن نهضن للسلام على سعادته بألطف تحية وسلام فرد عليهن السيد بأنس وبشاشة.

 

ثم أجلسوا سعادة السلطان في صدر القاعة على كرسي مجلل بالحرير الأحمر المنقوش بالذهب كما يفعل قدماء الإنكليز، وبعد ذلك تقدم والي البلدة إليه واستأذنه بتلاوة خطاب عن لسان الأمة وتلا خطابا فصيحا هذا ملخصه:

 

” أيها السيد الجليل والإمام النبيل قد حق علينا نحن والي مدينة ليفربول ووجوه شعبها أن نهنئ سعادتك بوصولكم إلينا بالسلامة ونرحب بك وبتشريفك مدينتنا في هذا النهار السعيد فقد سررنا غاية السرور بمجيئك إلى بلاد الإنكليز لعلمنا علم اليقين أن حبك الخالص لهذه الأمة جعلك تتجشم متاعب الأسفار وتحضر إلينا لكي توطد علاقات هذا الحب بين دولتك وبين دولتنا بريطانيا البريطانية وتجعل مصالح الأمتين شيئا واحدا.

 

أما نحن معشر الإنكليز جملة مع جلالة ملكتنا الفخيمة فقد أضحينا ممنونين لمكارم سعادتك لأجل ما صرفته من حسن العناية إلى إبطال تجارة الرقيق وعتقهم والاهتمام بتهذيبهم، ولنا ثقة تامة في شهامة سعادتك بأن تبطل هذه التجارة الذميمة في سواحل أفريقية الشرقية كلها، ثم نؤمل أن تسر سعادتك بالفرجة على ما في هذه المدينة من المنتزهات والجنائن والتحف والمعامل وتدخر ذكرها في خزنة عقلك الراجح وتذكر محبيك المخلصين الذين تشرفوا هذا النهار بمشاهدة سعادتك الجليلة “.

 

حرر بمحاضرة ليفربول في 5 جولاي (تموز) سنة 1875م.

(الإمضاء)

ريتشرد فيل ستابل

 

وكان هذا الخطاب مكتوبا على قرطاس أبيض كبير وزيري محفوف بمخمل حرير وردي اللون ومزركش بالذهب، وكانت حواشي القرطاس منزلة بصياغة من الذهب بصنعة جميلة مع طغرة مدينة ليفربول منقوشة في صفحة من ذهب في صدر القرطاس، وكان الخط جميلا جدا قد عنوا في كتابته بالقلم الإنكليزي القديم الذي كان يستخدمه قدماء الإنجليز في المكاتبات الملوكية في عهد الملك هنري الثامن.

 

ثم ترجم الفقيه باجر شكر السلطان لوالي المدينة الأفخم ولشعبها ذي اللطف والإكرام وقال:

 

” أما بعد فقد حق علينا أن نشكر لكم غاية الشكران على ترحابكم بقدومنا إلى مدينتكم المحروسة وقد امتلأ قلبنا سرورا لمشاهدتكم والتمتع بأنسكم.

 

قد هاجرت الحضارة والمعارف من بلادنا الشرقية إلى بلادكم الغربية منذ عهد قديم ولما طال اشتياقنا إليها وأبت أن تعود إلى أوطاننا أتينا قاصدين حماها وطالبين عودتها إلينا وقد صممنا على نقل شيء منها وإن تعذر لدينا الحصول عليها برمتها، ونؤمل بأن يكون هذا الشيء القليل بمنزلة خميرة نضيفها إلى عجين النجاح في بلادنا فتخمر العجينة بأسرها وتترقى زنجبار مع تمادي الزمان إلى درجة التمدن والعمران الذي نراه اليوم يزين بلاد الإنكليز السعيدة ويرفع مقامها بين الأمم.

 

ولا يخفيكم أيها السادات أن دولتنا قد حافظت على مودة الدولة البريطانية منذ مائة عام وليس في قلبنا رغبة أذد من رغبتنا في المحافظة على هذه المودة نحن وأولادنا وخلفاؤنا من بعدنا إلى ما شاء الله.

 

أما ما أشرتم إليه من جري إبطال تجارة الرقيق في بلادنا فقد تجشمنا أتعابا عظيمة وخسائر باهظة وصرنا عرضة لأخطار مبرحة طمعا في حب البشرية وخير الناس ورضا الله ومؤاخاة الدولة البريطانية التي اقترحت علينا هذه الاقتراحات المهمة، وقد ألقينا همنا على الله سبحانه وتعالى في كل ما فاجأنا من المصاعب وتوكلنا على قدرته العظيمة، ولنا ثقة تامة في عنايته تعالى أن يديم لنا التأييد والقدرة على تكميل إرادته وعمل ما فيه الصلاح لعباده، ولما كان من دأب الله جل جلاله أن لا يرسل الإمداد من السماء كما ينزل المطر على الأرض بل يوعز إلى القوي بمساعدة الضعيف فلنا ثقة بالله أن يوعز إلى دولة بريطانيا القوية أن تمد يد المساعدة إلى دولة زنجبار الضعيفة وتأييدها على تعميم أسباب الحضارة والعمران ، وقد شاع صيت مدينتكم ليفربول المحروسة في جميع الأقطار واشتهر ذكرها في الأمصار وذاع اسمها حتى في زنجبار، واليوم نشاهد بأعيننا عظمة هذه المدينة وجمالها وحسن مينائها وكثرة بوارجها وسفنها واتساع تجارتها ومجد سكانها ولطف أهلها ، فحق علينا أن نفتخر بهم ونقتفي آثارهم إذا كنا نود أن نكون من المفلحين، ولكن لا يكفي زنجبار أن تتشرف باستماع ذكر ليفربول فقط بل تحتاج إلى رجال ليفربول أن يشرفوها بما عندهم من الوسائط وأسباب العمران ويرسلوا إليها عمدة تجارهم ومهندسيهم وأرباب صنائعهم النفيسة فيسعون في فلاحة أراضيها الواسعة وإخراج ما فيها من المعادن وتعميم الصنائع إلى غير ذلك فيعود ذلك خيرا عليهم وعلى زنجبار وعلى ما حولها من الأراضي في أصل البر ، وليكن يقينا عندكم أيها السادات الشرفاء أن تذكار هذا النهار وما حزناه منكم من الإكرام لن يمحى من عقلنا ما حيينا ونطلب إلى الحق سبحانه وتعالى أن يحرس مدينتكم هذه من الآفات ويصون أهلها بالعز والأمجاد أمين”.

 

الإمضاء: السيد برغش بن سعيد ..

 

وفي أثناء ذلك نهض الجميع وسلموا على سعادته، ثم خرج السيد برجاله وركبوا مركباتهم ورجعوا إلى منزلهم مسرورين والشعب يهتف بأصوات الحبور: حبذا حبذا سلطان زنجبار.

 

المرجع: تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجبار، تأليف زاهر بن سعيد، تحقيق أحمد الشتيوي، 2007، وزارة التراث والثقافة مسقط.

Your Page Title