سعدية مفرح
سين: ما مفهومك للحب؟ ولماذا لا يوجد في وطننا العربي ظاهرة حب أسطورية كما في قصة إلسا وأراغون مثلا ً؟
جيم: مثل الشعر ومثل الحياة! لا يمكننا وضع تعريف محدد للحب، فرغم كل المحاولات العلمية التي أدخلت الحب للمختبر وجعلت من المحبين فئران تجارب و حاولت أن تعرف الحب أو تشرحه كحالة أو كعاطفة، وبغض النظر عن نجاحها أو فشلها، نكتشف عندما نعيش الحب أن كل تلك المحاولات هي محاولات فاشلة أو في أحسن الأحوال قاصرة عن تعريفه بشكل كامل وحقيقي وكأنه المستحيل الجميل الذي نعيشه دون أن نعرف شكله، ونرسمه من دون أن نحدد ملامحه، ونلونه من دون ألوان، أو كأنه تلك اللذة الخبيئة في أرواحنا كجنة مستقبلية إلى أن تكون أو أن تتكون، فنكتشف أننا للتو تحقق وجودنا الإنساني، وأنه هو المعنى الحقيقي لهذاالوجود.
نعم لا نستطيع تعريف الحب مهما أوتينا من قوة بلاغية أو مقدرة علمية، ولكننا نستطيع على الأقــل أن نرصد قليلا من ملامحه الغامضة والمدهشة والمؤدية إلى لذة أكثر غموضا وأشد إدهاشا، وماتحيل اليه تلك الملامح من حياة أوسع من الحياة نفسها، وأجمل من الحياة نفسها، بالضرورة، فأن تحب يعني أن تشعر بأن السماء أكثر زرقة، والاشجار أكثر خضرة، والوجوه أكثر جمالا، والأرض أكثر اتساعا، والبحر أكثر اتساعا، والقمر أكثر استدارة، والأغنية أحلى، والقصيدة أسمى، وأنت نفسك أكثر نبلا وصدقا وإحساسا بالاخرين..، وعلى هذا الصعيد، يحلو لي أن أردد قصيدة بسيطة، رائعة، لشاعر داغستان العظيم رسول حمزاتوف:
” أمس كنت أتسلل إلى أعشاش الطيور
أغري أصدقائي الاطفال بصعود الجبال
وأتى الحب، عنيفا، أزرق العينين
فجعلني، دفعة واحدة، كبيرا
…
أمس كنت أحسبني كبيرا راشدا،
أشيب وحكيما حتى آخر أيامي
وأتى الحب وأبتسم في بساطة،
فأنا أنا ولد صغير..”.
ثم من قال أنه لا يوجد في وطننا العربي ظاهرة حب أسطورية؟ كل قصة حب حقيقية هي قصة حب اسطورية، ولعلي أستطيع الادعاء أن كثيرين منا عاش أو يعيش أو أنه سيعيش يوما ما قصة حب أسطورية، ولكن يبدو أن كثيرا من قصص الحب الأسطورية لا يعرف أصحابها أنها كذلك.
أما تلك القصص التي سمعنا وقرأنا عنها باعتبارها قصص حب نادرة في تاريخ البشرية مثل قصة اراغون واليسا، أو قصة روميو وجولييت أوقصة قيس وليلى، أو غيرها من قصص الحب التاريخية الخالدة والتي تحاول كل حضارة من الحضارات أو شعب من الشعب ان تحتفظ بنسخة منها ضمن تراثها الإنساني وتراثها الإبداعي، فإنها اشتهرت لأنها خلدت عبر الأدب وعبر الشعر تحديدا، فلو لم يكتب شكسبير قصة روميو وجولييت لما سمع بقصتهما أحد منا، ولو لم يكن اراغون شاعرا لما عرف أحد بقصة حبه لإلزا، وكذلك الحال مع قيس المجنون أو غيره من العشاق الأسطوريين في التاريخ. ولكن دعنا نقول أن قصص الحب الأسطورية تلك إذا كانت كذلك في سياقها الإبداعي أو الثقافي فإنها قد لا تكون كذلك في سياقها الإنساني أو في حقيقتها التاريخية، وأن هناك الكثير من قصص الحب التي عاشها أناس عاديون في كل زمان ومكان وما زالوا يعيشونها كل يوم، هي أعظم وأصدق منها