في احتفائية رمضانية خرج أطفال قرية معمد بولاية منح بعد صلاة التراويح يجوبون الدروب والطرقات وهم يحملون القناديل ويهتفون بصوت عال “سبحان الله، ولا إله إلا الله” يقودهم طفل من سنهم، يقرأ عليهم: “التهلولة “. والتهلولة هو موروث شعبي قديم كان و لا يزال يقام في الأيام الاواخر من شهر رمضان في بعض قرى ولايات محافظة الداخلية وهي عبارة عن تسبيحات واذكار دينية مرتبة في صيغة نظمية تشبه القصيدة الشعرية تثير في الوجدان الكثير من الخواطر الإيمانية حيث يختلط صوت الأطفال من مختلف الأعمار ليبدو في سياقه العام أشبه بدوي النحل يتردد بين جنبات البيوت حيث يردد الاطفال مع المهلل”سبحان الله ولا إله إلا الله” فيما المهلل يترنم بتهلولة طويلة انتهت بعد أن طاف الأطفال على أزقة القرية وهم
يرددون:
سبحان الله تعوذنا من الشيطان
سبحان الله تسمينا بالرحمن
سبحان الله برب العرش والأركان
سبحان الله توكلنا على الديان
سبحان الله وكبرنا عظيم الشان
سبحان الله وهو الملك المنان
سبحان الله وعظمنا ذا الإحسان..
وبالنسبة لقرية معمد بولاية منح يعد اعادة احياء موروث التهلولة تجربة تقام للمرة الثانية بعد ان اقيمت العام الماضي في مثل هذه الأيام لانها تزرع في نفوس الأطفال الكثير من القيم الدينية. ويقول سعيد بن حميد السليماني منظم التهلولة في القرية: هذه هي التجربة الثانية لنا في تنظيم الفعالية بالقرية ونحن في هذ التجربة ارتأينا أن نقدمها في ليلة من ليالي رمضان لتعيش القرية ليلة مباركة مع التهلولة يحييها أطفالهم وتعيد إلى الأذهان تلك التهلولة التي كانت تقام في قديم الزمان حاملين القناديل لتضيء الدروب بأنوار المصابيح المتجانس مع أنوار ذكر الله.
ويضيف : إن التهلولة موروث ثقافي وديني وسلوكي مهم في المنطقة ، تعوِّد الطفل على التهليل والتسبيح والتكبير، بفرح عارم ونفس مقدمة على حب الله وفعل الخير، وقد قمنا بتنظيمها بالتنسيق مع مدرسة القرآن الكريم بالقرية وسيتكرر إقامتها أيضا في عيد
الأضحى المبارك.
وتحدث هلال بن محمد الشرياني الذي جمع نص “التهلولة ” في كتيب مستقل : وجدت هذا النص لدى معلمة القرآن الكريم، التي كانت تعلم القرآن في منزلها بحارة العقر، حيث درست على يدها القرآن الكريم بمدينة نزوى لقد كان هذا النص مكتوبا في أوراق متناثرة وكانت المعلمة تحافظ عليه كثيرا، حيث تقرأ منه “التيمينة”، الخاص بختام الطالب لدراسة القرآن الكريم، ومع أيضا نص “التهلولة”، وقام الباحث عبدالله بن سعيد السيفي بضبط النص من التصحيف النحوي ونقله نقلا صحيحا ومحققا، ليصدر في كتاب وبقي هذا المطبوع سنوات طويلة في أيادي الطلاب، يقرأونه في المناسبات.
ويضيف هلال الشرياني: نحن نحث هذا الجيل على قراءة التهلولة، لما فيها من فضل وذكر، فهي إرث ثقافي عماني يحفز على القيم ويعيد إلى الأذهان حياة الترابط والتكاتف بين الناس، يوم أن كان أطفالهم يقرأونها في الليالي، فيضمخون الدروب بأصواتهم الندية.
ويقول إن سبب حب الأطفال للتجمع لقراءتها، هو ابتهاجهم واستبشارهم بهذه الايام الكريمة وبقدوم العيد إذ ترى الأطفال على اختلاف أعمارهم، يجوبون الأزقة والحارات، وهم يرددون مع قارئها، تعبيرا عن الفرحة التي تغمر قلوبهم.
وقال الباحث عبدالله بن سعيد السيفي أن التهلولة نص ديني وشعري، وثقه الناس في الأوراق، وحفظته الصدور، ويمكن القول إنه نص عماني بامتياز، يقدم في مناسبات بهيجة حيث يتجمع أطفال الحارة بين صلاة العشاءين، يرددون مع المهلل ترديدا جماعيا، سبحان الله ولا إله إلا الله، وبلا الشك فإن نص التهلولة فيه الكثير مما يحث الطفل على التمسك بالقيم النبيلة والأخلاق السامية الرفيعة. وفي ختام التهلولة ، يعود الأطفال إلى بيوتهم، وقد ظفروا بهداياهم ، وعاشت القرية ليلة سعيدة وهو ما يبدو على وجوه الناس حين يخرجون من بيوتهم للتلويح للأطفال بالتحايا والهدايا.
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC