باريس- الطيب ولد العروسي
تحتفي فرنسا بمئوية الكاتب والسياسي الكبير جان جوريس: Jean Jaurès القائد الاشتراكي الفرنسي المعروف، وذلك بتنظيم نشاطات ثقافية وفكريّة ثريّة ومتنوّعة حوله في معظم البلديات والمؤسسات العلمية في ربوع فرنسا كلّها . من أهمّ الفعاليات التي ستنظّم بهذه المناسبة هو المعرض الذي يتواصل إلى موفّى هذا الشهر وينتهي في 31 أغسطس الجاري و تحتضنه بلدية مدينة سيرجي الكائنة بضواحي باريس التي اختارت له عنوان: “مسيرة جان جوريس” و تهدف من ورائه إلى التعريف بهذه الشخصية التاريخية الفذّة التي وسمت تاريخ فرنسا الحديث،وذلك بمساهمة من المؤسسة التي تحمل اسم المحتفى به نفسه ” جان جوريس “، وهو معرض تربوي تعليمي يسمح للجمهور باكتشاف جوانب مختلفة من شخصية هذا الرجل الذي لعب دورا مهما في تاريخ فرنسا المعاصر فكريا، وسياسيا واجتماعيا، هذا الزعيم الاشتراكي الذي لا يجود الزمان بمثله مرّتين. عُرف جوريس بمواقفه الشجاعة واستماتته في الدفاع عن حقوق العمال والكادحين ومساندتهم في نضالهم من أجل تحسينأحوالهم المعيشية وتحقيق مطالبهم المشروعة فهو مناضل معروف أسّس جريدة “لومانيته’ (الإنسانية) الذائعة الصيت لسان الحزب الشيوعي الفرنسي التي لا زالت تصدر حتى اليوم.
هدف هذا المعرض الأساس يتمثّل في التقديم لزواره فكرة عن الحياة السياسية والاجتماعية والأدبية التي عرفتها فرنسا من خلال مسيرة جان جوريس النضاليّة، والتي نكتشف من خلالها بعضا من الحقائق التي تم السكوت عنها و تجاهلها في عصر الرجل.
ولد جان جوريس سنة 1859 وتمت تصفيته جسديّا سنة 1914 لمعارضته دخول فرنسا الحرب العالميّة الأولى ولمواقفه السلمية ونبذه للعنف و الاقتتال وهو من خريجي مدرسة الأساتذة العليا العريقة في باريس . كان خطيبًا مفوّها بارعا، لعب دورا أساسيا في الحياة السياسية الفرنسية .تم نقل جثمانه إلى مقبرة العظماء (البانتيون) بباريس سنة 1924، أي بعد اغتياله بعشر سنوات، وهو سليل عائلة بورجوازية، وأستاذ في الفلسفة، بدأ حياته كعضو في البرلمان الفرنسي، وهو من الذين أسهموا في صياغة قانون الفصل بين الكنيسة والدولة .كان يعمل بكل ما أوتي من قوة من أجل توحيد الحركة الاشتراكية الفرنسية ولم يكن الأمر سهلا بالنسبة إليه ، فقد اعترضته الكثير من العراقيل وكثر معارضوه ولكن لم يثن ذلك من عزمه ، فواصل عمله في توعية الناس بمخاطر الحروب وشرورها و آثارها السلبيّة المدمّرة على الإنسانية حتى غدا رمزا من رموز السلام في فرنسا و أوروبا.
يقول الكاتب الفرنسي جان بيير ريو مؤلف كتاب عن سيرة الرجل ومبادئه ونضاله صدر بعنوان “جان جوريس” في باريس عام 2008، عن منشورات “بيران” ” إن الحديث عن جوريس (…) يعني الاستماع إلى الكلمات العظيمة للفيلسوف وللمثقف وللمؤرخ وللمدافع عن حقوق الإنسان ولرجل السلام والمناهض الاستعمار في ذات الوقت. إن جوريس عرف كيف يسمو بهذه الأمور كلها». إن مسيرة هذا الرجل تخللتها أحداث جسام دفعته شابا يافعا إلى الاقتراب من الفلاحين ومشاطرتهم معاناتهم باعتبار أنّ البعض من أقاربه كان يعمل مزارعا في الحقول . قبل ذلك ” كان شابا طالبا مجتهد «يحصد» جميع الجوائز في المدرسة، وكان التعلّم بالنسبة له «متعة» وليس ممارسة «قسرية» فالتاريخ كان بالنسبة إليه ميدانا للاكتشاف المستمر كما كانت الرياضيات لعبة للذكاء واللغة الفرنسية فضاء رائعا يدعو للتحليف فيه.”