مسقط- ناصر أبو عون
تواصل الطائرات الأمريكيّة ضرباتها على حشود (داعش) لتعيق تقدّمها نحو شمال العراق ،حيث إنَّ سيطرة (تنظيم الدول الإسلامية) على (الموصل) كبرى مدن العراق وتقدمها السريع نحو الشمال وإقليم كردستان وضع الولايات المتحدة بين سندان (مصالحها الاستراتيجية) ومطرقة (الدعم الأوروبي غير المشروط) لسحق داعش، وطموحات (اليمين الجمهوري) بعودة الثقة للجيش الأمريكي ومستقبل الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. وتأتي هذه الضغوطات في الوقت الذي يهدد التنظيم بالسيطرة على منابع العراق النفطية ووضع أكبر مخزون من الاحتياطي العالمي للنفط رهن تصرّفه، هذا بالإضافة إلى طلب بغداد رسميا من واشنطن التدخل العسكري لحمايتها تطبيقا لبنود (الاتفاقية الأمنية) الموقعة بين العراق وأمريكا لكن الأخيرة ترى أن التدخل مرهون باتفاق العراقيين (على قيادة موحدة مستعدة لتمثيل كل شعب العراق، ومستعدة ألا تقصي أحدا وأن تتقاسم السلطة). لكن السؤال الاستراتيجي الذي يبحث المحللون عن إجابته هو: لماذا فاجأ أوباما العالم بمصادقته مؤخرا على ضربات جوية ضد تنظيم الدولة بالعراق. خاصةً أنَّ تصريحه الشهير عقب خروج أمريكا من العراق وأفغانستان، بأنّ (على أمريكا أن تتسم بالحذر أثناء محاولة حل أزمات العالم) مازال ماثلا في الآذان، لكنَّ السؤال الأكثر تعقيدا والذي يبحث في عمق المشكلة هو: لماذا تدخلت أمريكا ضد داعش؟!
لماذا تدخلت أمريكا ضد داعش؟!
عقب خروج أمريكا من حربين ضاريتين في العراق وأفغانستان، قال بارك أوباما (على أمريكا أن تتسم بالحذر أثناء محاولة حل أزمات العالم). لكنّه فاجأ العالم بمصادقته مؤخرا على ضربات جوية مستهدفة بالعراق، في خطوة انتقدها جناح “الصقور” بواشنطن، وقالوا (إنها غير كافية ودعوا إلى عملية عسكرية موسعة.) لكن السؤال الاستراتيجي الذي يبحث المحللون عن إجابته هو: لماذا تدخلت أمريكا ضد داعش؟! لاشك أن هناك العديد من الأسباب المستجدة على الساحة العالمية وخاصةً في منطقة الشرق الأوسط دفعت الولايات المتحدة للتدخل العسكري في العراق تحت عنوان [مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)] وسعى الكثير من المحللين السياسيين إلى البحث وراء الأسباب في هذا التحوّل الدرامتيكي في موقف الرئيس الأمريكي وإعلانه عن بدء عمليات جوية ضد التنظيم. ويمكننا في هذه المقاربة مناقشة العديد من الأسباب وراء العودة عسكريا مرةً أخرى للعراق والتدخل الأمريكي (جويًا) في هذه المرحلة بضربات ضد (تنظيم داعش) ونعتقد أنّ من أهم أسباب هذا التوجه:
أولا – تعرّض (الأقلية الإيزيدية)، و(المسيحيين العراقيين) لأعمال وحشية من الاضطهاد والتهجير والقتل على يد مسلحي تنظيم (داعش) مما شكّل ضغوطًا من الحكومات الغربية بدأت بإعطاء الضوء الأخضر لواشنطن لاتخاذ ما يلزم تجاه (تنظيم الدولة الإسلامية) مع الاستعداد لتقديم الدعم الكامل وهو ما صرّح بهوزير خارجية ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير الذي قال: [إن ضحايا وحشيتهم الرهيبة هم (الإيزيديون)، و(المسيحيون) و(أقليات دينية أخرى) تعيش في الموصل وحولها منذ قرون كثيرة ويحدق الخطر بهم بشدة]، وأكد في تصريحه على دور ألمانيا في [دعم تدخل أمريكا المحدد ضدهم] وأشار إلى أن [استقرار العراق على المدى الطويل لن يتحقق إلا بالتفاهم بين القوى السياسية ومن خلال حكومة قادرة على العمل والتنفيذ وتمثل كافة طوائف الشعب]. هذا بالإضافة إلى الحملة الإعلامية الكبرى التي تقودها C.N.N جلبت تعاطف الرأي العام الدولي وموجة استهجان لما يحدث للمسيحيين العراقيين وطائفة الإيزيديين مما دفع الحكومات الغربية إلى إعطاء الأمريكيين التفويض الكامل والمفتوح للقيام بالتدخل العسكري في العراق، و(سحق تنظيم الدولة الإسلامية) استنادا إلى أن أمريكا هي الأقدر والأكثر تجربة بأرض العراق وتكويناته الطائفية وعلى دراية بضروب المواجهات العسكرية هناك التي اكتسبتها أثناء غزوها للعراق.
ثانيًا – تعرُّض الرئيس الأمريكي بارك أوباما إلى ضغوط قوية من جناح الصقور في الحزب الجمهوري الذين طالبوه (بمزيد من التدخل العسكري الأمريكي في العراق، وتوسيع نطاق عمليات القوات الأمريكية المقاتلة لتشمل مقاتلة “داعش” في سوريا، كما جاءت استقالة السفير الأمريكي السابق لدى سوريا، روبرت فورد، من منصبه احتجاجاً على “التقاعس” الأمريكي بمواجهة الأسد، لتمثل ضغطا سياسيا كبيرا، وكان آخر هذه الضغوطات القوية الانتقادات التي وجهتها هيلاري كلينتون وزير الخارجية الأمريكية السابقة ودعت فيها الرئيس أوباما صراحةً إلى (استخدام القوة الأمريكية بما يكفي للقضاء على داعش ومنع تقدمها نحو شمال العراق).
ثالثا – طلبت بغداد رسميا من واشنطن على لسان رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي التدخل العسكري ضد (داعش)، وأعاد التأكيد على هذا الطلب وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الذي أشار بأن بغداد (طلبت رسميا من واشنطن توجيه ضربات جوية لمقاتلي (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) ووقف تقدمهم بعد أن تمكنوا من السيطرة على مناطق واسعة من العراق وشمال البلاد، وجاءت هذه المطالبة الرسمية من حكومة بغداد مدعومة بزخم وتأييد شعبي حيث أكد رئيس (مؤتمر صحوة العراق) الشيخ أحمد أبو ريشة أثناء لقائه بالجنرال لويد أوستين قائد القوات المركزية الأمريكية، في بغداد، بحضور السفير الامريكي ستيفين بيكروفت ومحافظ الأنبار أحمد خلف الدليمي، وطالبوا إيصال رسالة للإدارة الأمريكية (بضرورة التدخل الأمريكي والدولي لدعم العراق في حربه ضد تنظيم “داعش”)
رابعًا – إنّ مواصلة تقدم داعش واقترابها من (أربيل) عاصمة إقليم كردستان سوف يمثل كارثة كبيرة لواشنطن ربما تكون أقرب إلى نكسة حرب فيتنام وستضيف عقدة جديدة في (نفسية المواطن الأمريكي) فإذا تمكنت “داعش” من دخول إقليم كردستان العراق ستبيد مئات الأمريكيين من الخبراء العسكريين ورجال الأعمال والفنيين الذين يستوطنون (أربيل) عاصمة الإقليم، حيث إنّ كارثة ذبح الدبلوماسيين الأمريكيين في بنغازي ليست ببعيدة عن أذهان الأمريكيين، وإذا ما تكررت التجربة في (أربيل) سوف يستتبعها حنق من الرأي العام الأمريكي سوف تكون تداعيتها على أمريكا والمنطقة غير محمودة العواقب.
رؤية معارضة للحرب