تونس – الطيب ولد العروسي
مثّلت تظاهرة “الجزريّة : اللّغة الذّاكرة والهويّة “، حدثا أكاديميّا وثقافيّا متميز احتضنته جزيرة جربة بتونس أيام 26-27-28 سبتمبر 2014 ، شارك في هذا الحدث أساتذة وأكاديميون وخبراء من جزر تنتشر في مختلف أنحاء العالم .
وفضلا عن الأكاديميين التّونسيين الذين اهتموا بدراسة جزيرتي جربة وقرقنة ، توافد على الندوة أكادميّون من جزر “مايوت” و”المارتينيك” و”القوادلوب” و”الكابفار”وغيرها …
وقد قامت جامعتا منوبة التونسيّة وجامعة روون الفرنسيّة بتأطير هذه النّدوة الدوليّة أكاديميّا ، بإشراف علميّ مقتدر للأستاذين الدكتور فؤاد العروسي مدير مخبر الديناميكيات الاجتماعيّة واللغويّة بجامعة روون والدكتور محمّد الجويلي مدير وحدة أنثروبولوجيا الثقافة العربيّة المتوسّطيّة بجامعة منوبة .
وتوزّعت المداخلات بين رئيسيّة وأخرى ضمن الورشات أسهم فيها ما يزيد عن الأربعين باحثا ، ورغم تعدّد الاختصاصات وتفرّعها وتنوّع المقاربات وثرائها ، فإنّ الباحثين قد اجتمعوا حول مفهوم “الجزريّة” واشتغلوا من خلاله على قضايا الجزر وخصوصياتها من زوايا متعدّدة ، وأمعنوا في أن يعطوا لهذا المفهوم الحديث بعدا إجرائيّا منهجيا منتجا .
ويعدّ محور هذه الندوة جديدا على الدّراسات العربيّة ، وهي الندوة الأولى التي تقارب مسألة الجزريّة أكاديميا ، تعقد ببلد عربيّ ، وقد نال الشّرف تونس عامّة وجزيرة جربة خاصّة بأن تعقد ندوة بهذا الحجم على أرضها.
ولا بدّ أن نشير بأنّ جامعة روون الفرنسيّة تعدّ رائدة في المقاربات الجزريّة ، وقد أصدر مخبر الدّيناميكيات الاجتماعيّة واللغويّة بها كتبا اهتمّت بتفكيك هذا المفهوم وإجرائه في اختصاصات متعدّدة من قبيل القراءات الاجتماعيّة والأنثروبولوجيّة والاتنوغرافيّة واللسانيّة والاجتماعيّة والتّاريخيّة والحضاريّة والجغرافيّة…، ويعتبر الأستاذ فؤاد العروسي مدير هذا المخبر رائدا في هذا الاختصاص.
وتتطلّع وحدة انثروبولوجيا الثقافة العربية المتوسّطية بجامعة منوبة تحت إشراف الدكتور محمّد الجويلي إلى أن تواكب أحدث المقاربات العلميّة بتبادل الخبرات مع أعرق المخابر في الجامعات الفرنسيّة ، فالتقى الباحثون من هنا وهناك لتوطين مفهوم “الجزريّة” وفق خصوصيات كلّ جزيرة والخروج بالمميّزات التي تجمع بينها تثمينا للتّراث الجزري الإنساني وحفاظا عليه.
وقد كان للمركز الثّقافي والسّياحي المتوسّطي بجربة الذي تديره جمعيّة التنشيط الثقافي بجربة ، حضور متميّز بوضع إمكانياته وخبراته التنظيميّة على ذمّة الندوة للرقيّ بها إلى مستوى الحرفيّة.
وقد احتضن رواق المتوسّط بالمركز الثقافي المتوسّطي بجربة معرضا في إطار التظاهرة عنوانه: “الجزريّة : جربة ، (جريرة مايوت) ، قرقنة” شارك فيه مصورون محترفون وهم : عادل الغودي وعلى البوجديدي من جربة ، وأماني زميط من قرقنة ، وفؤاد العروسي بالنسبة لصور مايوت ، وقد كان المعرض مناسبة لاطلاع الضّيوف على العادات الغذائيّة التقليديّة لجزيرة جربة والتذوّق منها ، والتعرّف أيضا على اللباس التقليدي للمرأة الجربيّة.
وإثر المعرض تمّ اختتام الندوة بالمركز الثقافي المتوسّطي وسط حضور جماهيريّ متميّز ، وقد ثمّن مدير المركز الثقافي مجهودات كلّ الأساتذة الذين أسهموا في إنجاز الندوة وإنجاحها ، فتداول على الكلمة السيد حسين الطبجي محافظ متحف التراث بقلالة، والدكتور الشّاذلي بن مسعود باسم المجتمع المدني ، والسيّد حمدة عبد اللاوي ممثلا عن القطاع السّياحي بجربة .
ومن أبرز لحظات هذا الاختتام تكريم بلديّة جربة حومة السّوق والمركز الثّقافي المتوسّطي بجربة للأستاذين الفاضلين فؤاد العروسي ومحمّد الجويلي الواقفين وراء الفكرة والمشروع تقديرا لجهودهما العلميّة والتنظيميّة في ندوة الجزريّة.
وقد خصّص اليوم الأخير من النّدوة للقيام بجولة داخل الجزيرة للتعريف بمخزونها الحضاري والتاريخي والاطّلاع على معالمها الأثريّة وطابعها المعماري المتفرّد.
وحتى تكون لهذه الندوة آثار عمليّة وآفاق معرفيّة تفيد الباحثين في اختصاص “الجزريّة” اقترح القائمون على الندوة أكاديمياّ أن يعمل “مخبر الحيويات الاجتماعيّة واللغويّة بروون” بمعاضدة وحدة أنثروبولوجيا الثقافة العربيّة المتوسّطية وجهود كل الأساتذة الباحثين وممثّلي الجزر الحاضرة في التظاهرة على:
-توفير المدوّنة المعرفيّة الجزريّة في المركز الثقافي والسياحي المتوسّطي بجربة حتى يصبح مرجعا في هذا الاختصاص ويكون حقا قبلة الباحثين في هذا المجال المتجدّد. وكلّ ذلك من شأنه أن يوفّر الأرضيّة الملائمة لتوطيد العلاقات وتوفير الخبرات وتعميق النظر في هذه المقاربة وتكثيف اللقاءات والندوات.