مسقط – عبدالرزّاق الربيعي
أوصى الدكتور وليد محمود خالص بالحاجة لإنشاء “المعهد العالي لتحقيق التراث العماني” الذي مهمّته إعداد جيل من المحقّقين العمانيين ينهضون بمهمّة التحقيق ،مضيفا ” وأن تنضوي الجهود الموجودة حاليا تحت مظلة واحدة وبغير هذا ستبقى هذه الجهود مبعثرة “
جاء هذا في في أمسية أقامها صالون “أثير” الثقافي مساء أمس – الأربعاء- بمقر “أثير” الكائن في العذيبة ، حملت عنوان” تحقيق التراث العماني ..الواقع والمستقبل” .
تحدّث الضيف في الأمسية التي قدّمها الباحث محمّد الحجري حول علاقته بالتراث العماني وقال” حين أتحدّث عن هذا التراث فأريد به المكتوب وحده ،ويقابله التراث الشفاهي ،وتتكفّل بجانب منه هيئة الوثائق، والمحفوظات الوطنيّة التي أتوجّه لها بالشكر لدعوتي لزيارة السلطنة واقامة دورة تدريبيّة في تحقيق التراث”
وتساءل خالص الذي تخرّج على يديه عشرات الطلاب في أماكن عديدة تنقل بين أكثر من مكان مدرّسا في جامعات :بغداد ، القاهرة ، الكويت ، الإمارات ، الأردن ، السلطنة ، هل نصنع تراثا ؟ أم هو موجود؟ مشيرا إلى تنوّع هذا التراث الذي يشمل علوما شتّى في :الفقه، والأصول،والتاريخ، والشعر،واللغة ،وعلوم البحار، والعقيدة، والأديان، وشروح الشعر ،والطبقات ، مؤكّدا على ضرورة فهرسة هذا التراث ،وركّز في حديثه حول أهميّة فهرسة هذا التراث، لأن الفهرسة هي التي تستطيع أن تعطينا خارطة شاملة عن محتويات هذا التراث المخطوط ،وذكر أن هناك عددا من الفهارس في الدول العربية ،لكنهذا المسعى في السلطنة غير مكتمل ، وقد نشرت وزارة التراث فهرسا للمخطوطات العمانية في عدة مجلدات لكنه لا يغطي الا جزءا يسيرا من هذا التراث الهائل .
وأكّد على ضرورة حفظ هذا التراث عن طريق ترميم التالف من المخطوطات ، وتحقيق المخطوطات ،ورأى أن هناك كتبا وضعها محققون غير متخصّصين، وآخرون قاموا بإعادة نشر المخطوط على هيئة المطبوع فقط ، دون تعليقات ، وهذا تحقيق لا قيمة له ،وهناك التحقيق العلمي وهو قليل .
وأشار إن عملية ترتيب الأولويات في التحقيق والنشر تحتاج إلى قراءة فاحصة بكلّ هذا التراث المخطوط ، لكي يكون الحكم على ماهو أولى حكما موضوعيا وعلميا .
وتحدّث عن الفوضى التي تسود في بعض الأوساط بسبب الجهل بقيمة هذا التراث ، حتى بلغ الأمر بالكثيرين إلى الحكم على بعض الكتب من دون قراءتها ذاكرا حكاية الكاتب الذي ناقش محتوى كتاب مختتما مقاله بالقول” هذا هو الجواب رغم إنّني لم أقرأ الكتاب” !
ثمّ تطرّق إلى تجربته في تحقيق الكتب التراثيّة العمانيّة التي كان أبرزها كتاب “إيضاح نظم السلوك إلى حضرات ملك الملوك” لمؤلفه الشيخ ناصر بن أبي نبهان الخروصي ، الذي صدر عن دار الكتب الوطنية فى هيئة أبو ظبى للثقافة والتراث إذ أمضى في تحقيقه سبع سنوات ، وهو شرح لقصيدتى ابن الفارض الصغرى والكبرى ،وقد قُسّم إلى ثلاثة أجزاء، الأول فى تخليص النفس والروح على مراتب الكمال، والثانى فى كمال النبى (ص)، والثالث فى مقامات الحقيقة ويعتبر الكتاب من ذخائر المكتبة العُمانية القديمة
وقد أكد خالص، على أن الشيخ ناصر الخروصي تعامل مع التائيتين على أنهماكتلة واحدة لذلك ابتدأ بالتائية الصغرى، وواصل شروحه للثانية من دون الإشارة إلى بداية التائية الكبرى، وتعود علاقته بهذا الكتاب عندما ظفر بمخطوطة خلال بحثه في زوايا المحفوظات العمانية التي تحتفظ بها وزارة التراث والثقافة، وخزانة المرحوم السيد محمد بن أحمد البوسعيدي، وشرع يومها بقراءته والنسخ منه مدةً ليست بالقليلة، ومرّت سنوات أمضاها في قراءة النص، والتعليق عليه، وتجلية مصطلحه، مع شروح أخرى مما يقتضيه التحقيق.
ثم فتح باب النقاش فكان السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي أول المتحدّثين حيث تحدّث عن ضياع الكثير من المخطوطات التي بعضها وضع في مزارع ،وأماكن رطبة ، هناك مخطوطات وضعت في بئر لأسباب غير مفهومة ، كما ذكر في مداخلته أن كثيرا من النسّاخ يضيف بعض الآراء بعلم أو بدون علم ،وأحيانا تكون خارج نطاق المخطوط ،وهي الملاحظة التي أثارت نقاشا طويلا بين الحاضرين شارك به : د.محمد بن مبارك العريمي ،وسعيد الصقلاوي ، و محمد بن عامر العيسري وآخرون
يذكر أن خالص تتلمذ على أيدي كبار أساتذة العربيّة كالدكتور إبراهيم السامرائي ود.علي جواد الطاهر ، درس الماجستير في القاهرة ثم أكمل دراسته في بغداد ،فحصل على الدكتوراه من جامعة بغداد عام 1981م، وكان موضوع أطروحته “أبو العلاء المعري ناقدا”، عمل في جامعة الإمارات اثني عشر سنة، الّف ،وحقّق العديد من الكتب منها “الشعراء النقاد: الفرزدق” 1986م، و “المباحث النقدية في أمالي المرتضى” 1987م، و”الصلتان العبدي وما تبقّى من شعره” 1988م، و”نقائض جرير والفرزدق لأبي عبيدة: دراسة وتحقيق” 1994م، و”منزلة الشعر والشعراء في التفكير النقدي العربي” 1994م، “النقد الأدبي في كتاب الأغاني” لأبي فرج الأصفهاني، وتحقيق “الدر الفريد وبيت القصيد”، لمحمد المستعصمي، وكتاب “جذوة بين الرماد- إبراهيم الوائلي في سيرته وأوراقه المنسية”، و”الدرس النقدي القديم بين النظرية والمصطلح”، و”النص الغائب في رواية (أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ ـ دراسة في تفاعل النصوص.