نظم مسجد باريس الكبير لقاء مع الكاتبة إيزايبل بوديس بمناسبة إعادة نشرها لكتاب “حياة محمد رسول الله ” للفنان الفرنسي إتيان دينيه وصديقه الجزائري سليمان بن إبراهيم، في طبعة فاخرة مزودة برسومات أنجزها كلّ من الفنان دينيه نفسه، والرسام الجزائري عمر راسم، والتي تم عرض نسخ منها بالمناسبة. الكتاب من تقديم السيدة إيزابيل الصياح وهي فرنسية من أصل جزائري بمعيّة زوجها الراحل دومنيك بوديس، الذي تقلد عدة مناصب مهمة في فرنسا، من ضمنها رئاسة معهد العالم العربي في باريس.
وُلد الفنان إتيان دينيه ( 1861- 1929) في ضواحي باريس من أسرة أرستقراطية، وبعد دراسته في معهد الفنون الجميلة بالعاصمة الفرنسية وإثبات تميزه، اختار مدينة بوسعادة (الجنوب الجزائري) ليحط الرحال بها، حيث طرأ تحول كبير في حياته بداية من سنة 1913، حينما أعلن إسلامه، وغير اسمه من إتيان دينيه إلى نصر الدين دينيه وقام بأداء فريضة الحج وكتب العديد من المؤلفات من بينها كتاب “حياة محمد” الذي كُلف بتأليفه عام 1918 من قِبل وزارة الجيش الفرنسية، وذلك لتكريم المتوفين من المسلمين من جنودها أثناء الحرب العالمية الأولى، كما كان نصر الدين دينيه من ضمن لجنة بناء مسجد باريس.
افتتن الرسام بسيرة الرسول (ص)، فكتب عنها هو وصديقه سليمان بن عيسى هذا المؤلف الذي يعتبر مرجعا لا غنى عنه باللغة الفرنسية لدراسة حياة رسول الإسلام، عبر فيه عن أحاسيسه وهو يقوم بفريضة الحج قائلا : “نشعر بالهيبة والسكينة حين نفكر بأن وراء هذا الشباك يرقد في قبره أشرف خلق اللّه على الأرض، الذي حقق أروع نبوءة عرفها العالم»، ثمّ يواصل مؤكدا على هذا الإحساس بهيبة المكان وقدسيّته بعد انتهائه من تأدية شعائر الحج ” «بقلب ملتاع، ابتعدنا عن مدينة الرسول عليه السلام، ترى هل سيجود علينا الزمان بمشاهدتها مرة أخرى؟ لكننا حفظنا في ذاكرتنا مشهدين فائقي الروعة: مشهد «القبة الخضراء» التي تتلألأ كجوهرة سماوية، على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهد البديع لـ«الشباك النحاسي»، بنقوشه القرآنية الرائعة التي نقَلَت سلام أرواحنا الحار إلى الرسول الكريم».
جاء في التمهيد الذي كتبه الراحل دومنيك بوديس وزوجته، بأن تلك الفترة تزامنت مع توسّع النفوذ العثماني في المنطقة، كما تزامنت مع الحرب العالمية الأولى التي خلّفت دمارا هائلا، وقد شهدت منطقة الشرق الأوسط تغيرات عديدة، من ضمنها توغل الاستعمار الفرنسي في الجزائر. لكن دينيه اختار الحياة مع سكان بوسعادة والابتعاد عن ضوضاء الحواضر الكبيرة، ما يعني أنّه فضّل الوقوف إلى جانب الجزائريين كما فضّل حياة البساطة التي رسمها في لوحاته وتقاسمها مع أهل بوسعادة وأوصى بعد موته بأن يدفن فيه، بحيث كتب في وصيته ما يلي : “يجب أن تشيع جنازتي طبقا للتعاليم الإسلامية ، لأنني اعتنقت الإسلام بكل إخلاص منذ عدة سنوات ، و كرست كل منجزاتي و مجهوداتي لتمجيد الإسلام .ينبغي أن تدفن جثتي في المقبرة الإسلامية لمدينة بوسعادة التي أنجزت فيها القسم الأعظم من لوحاتي”..
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC