باريس- الطيب ولد العروسي
نقلت رفات عالمة الأجناس والمقاومة الفرنسة جيرمان تيون Germaine Tillon إلى مقبرة العظماء يوم 27 ماي 2015، في حفل مهيب، تحت قبة المقاومين، التي توجد فيها جثة كل من جان زي Jean Zay(1904- 1944)، المحام ورجل السياسة الفرنسي الذي تم اغتياله، وبيير بروسليت Pierre Brossolette(1903- 1944) وهو صحفي ورجل سياسة وأحد مسيري ومنظمي المقاومة في فرنسا، و جينيفييف ديغول –أنتونيز Geneviève de Gaulle-Anthonioz ( 1920- 2002) التي تعد مقاومة ومناضلة من أجل حقوق الإنسان .وحفيدة للرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول.
ولدت الكاتبة والمناضلة جيرمان تيون في مدينة “أليجر” Aligre بمنطقة “هوت لوار” Haute-Loire يوم 30 مايو 1907، التحقت سنة 1915 صحبة أسرتها بمدينة “كليرمان فيرو” Clermont Ferrand حيث يعيش أجدادها، ثم رحلت الأسرة إلى “سانت مور” لمواصلة دراستها، وبعد دخول الألمان سنة 1940 إلى باريس، انظمت إلى المقاومة، وقد اعتقلت يوم 13 أغسطس 1942 بسجن “الصحة” بباريس وسجن “فرين”، ثم تم ترحيلها في 31 يناير 1944 إلى معسكر “رافنستوك”.
انكبت المناضلة المذكورة خلال هذه الفترة على دراسة معسكر الاعتقالات الذي كان يعيش فيه المقاومون “كأسرة واحدة من بنات آوى.” التي تم تحريرها في 2 فبراير 1945. ثم نقل رفاتها صحبة المقاومة جنفياف ديغول إلى مقبرة العظماء يوم 27 مايو 2015.
كتبت جيرمان تيون أثناء اعتقالها مجموعة من الكتب والدراسات في علم الأجناس، حيث درست وشرحت النظام الكولونيالي، وقد التحقت بالمقاومة الجزائرية وكتبت عن التعذيب ضد المقاومين الجزائريين بشكل خاص، والشعب الجزائري بشكل عام، لأنها تركت باريس وتنقلت في أرياق وقرى شرق الجزائر لتصبح بعد ذلك صوتا مدافعا لهؤلاء المقهورين المعذبين، محللة تلك الأوضاع المأساوية للفلاحين الذين نهبت منهم أراضيهم وممتلكاتهم ليصبحوا بعد ذلك عمالا عند المستعمرين الفرنسيين.
كما وقفت إلى جانب الشعوب المظلومة وكانت من مساندات القضية الفلسطينية وكل القضايا العادلة في العالم .
يمثل هذا الالتحاق بمقبرة العظماء اعترافا رسميا من مؤسسات الجمهورية الفرنسية وقد أشرف على ذلك الرئيس فرانسوا هولاند، الذي أكّد على الدور الهام لهاتين البطلتين، وأنه حان الوقت لتعترف بهما فرنسا، لكي تصبحا نموذجين هامين في النضال ضد القمع والتعذيب.
وتجدر الإشارة إلى أن مقبرة العظماء هي عبارة عن مبنى موجود بالحي اللاتيني في باريس، وهو يضم رفات بعض عظماء الفرنسيين في مجالات علمية وسياسية وفكرية وأدبية من كبار الكّتاب، والعلماء، والجنرالات، ورجال الكنيسة والسّياسيّين، مثل فولتير، وألكسندر دوما، وفيكتور هوجو، وغيرهم. تم بناؤه في البداية ليكون كنيسة لسانت جينيفيف الواقعة في الحي الخامس في مونتانيي سانت جنفياف. والبانتيون مبنى يطل على كافة أرجاء باريس. “كان لمصممه جاك جيرمان نية الجمع بين خفة وسطوع الكاتدرائية القوطية مع المبادئ الكلاسيكية”.
للأسف إن هذا الحادث لم تهتم به الصحافة العربية على الإطلاق، و الصحف الفرنسية تابعته بشيء من الحذر، رغم أهميته لكونه يحفر ويتطرق إلى الذاكرة الإنسانية الجماعية، وإلى أهوال الحروب والاستيطان التي فرضها الاستعمار على الشعوب، فكان الشرفاء والشريفات قد تحدوا كل المصاعب ليكتبوا صفحات خلدوا من خلالها المشترك الإنساني، وهذا ما قامت به عالمة الأجناس التي رفضت الرفاهية والعيش في الشقق الفخمة، لتلتحق بأسر مهمشة في شرق الجزائر وتقاسمهم لحظات التعاسة والأمل بفرح الاستقلال.