في اثني عشر فصلاً ومقدمة قصيرة كتب د. شلدن كاشدان ” الساحرة يجب أن تموت” وهو بهذه الصرخة قدم دراسة مطولة بحثت في دور السّاحرات اللواتي شغلن مساحة كبيرة في أدب الطفل من خلال الحكايا الخيالية التي نحكيها لأطفالنا والتي تؤثر بالمحصلة، وبشكل غير مباشر في مخيلتهم وبالتالي في نموهم النفسي والعقلي.
يستند هذا الكتاب -الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون في 348 صفحة ترجمة تقديم د.محمد جياد الأزرقي- وينطلق من حقائق علمية وتحليلات عادت بطرحها إلى ما قبل ولادة الطفل اي عندما كان جنيناً. شارحاً كيف يتمكن الأطفال في مرحلة ما بعد الولادة من تذكر كلمات سمعوها وهم أجنة وأن ذاكرة الأطفال من الكلمات تتطور – بحسب الباحثين بجامعة هلسينكي الفلندية- في مرحلة ما قبل الولادة وايضاً تجاوبهم مع المؤثرات البيئة والطبيعية والاجتماعية والإنسانية وهو مؤشر علمي على عمليّة تعلم الأطفال اللغة بشكل مبكر جداً وهو ما يحصل في منتصف عملية الحمل. الأمر الذي يجب أن يعيه الوالدين نظراً لأهميته في نفسية وشخصية الطفل لاحقاً فمن منا لم يكبر وفي مخليته مخزوناً كبيراً عن الساحرة الشريرة التي تطير بمكنستها إلى حيث تشاء.
يورد الكتاب نماذج من قصص الساحرات ويناقش كل قصة على حدا ويقوم بتحليل أحداثها وشخصياتها وأبعادها استناداً إلى تحليل نفسي وسيكولوجي ويبحث في الكيفية التي يحلل خيال الطفل أحداث هذه القصص بشخصياتها وكيف تؤثر فيه. يؤكد د. شالدن الذي أهدى مقدمة الكتاب لحفيدته الكبرى أرين “التي لم تتعب قط من حكاية أمير الضفادع أن هذه الحكايا تكون بالنسبة للأطفال مصادر للمتعة وأحيانا للفزع من خلال الرحلات إلى العوالم السحرية التي يتقاسم الأدوار فيها أبطال وبطلات من الأميرات والأمراء إضافة إلى الساحرات المرعبات. و كيف أن الأطفال يستمتعون بالصراعات الدائرة بين الخير والشر والتي تشكل محور تلك الحكايا لأنهم يعلمون أن الخير لا بد منتصر وأن تلك الرحلات الخيالية ستنتهي نهاية سعيدة سينعم بها الجميع الى الابد. وفي الوقت ذاته يوضح أن فهم الكبار مختلف لهذه الجزئية فمعظم الخيارات التي تواجهنا في الحياة ليست مسألة الأبيض والأسود لان هناك مساحة واسعة يغطيها اللون الرمادي الذي يفصل بين الاثنين وأن التمييز بين الخير والشر ليست قضية يسيرة كما تعرضها حكايا الساحرات الخيالية. بالتالي فإن هذا الفهم يطرح عددا من الاسئلة بحسب المؤلف مثل لماذا تستمر الحكايا في بقائها وتحافظ عليه؟ ولماذا تتمسك الأجيال تلو الاجيال بتلك الحكايا؟ ولماذا تبقى هذه الحكايا حية في الذاكرة حين تختفي القصص الأخرى منها؟ هذه الاسئلة التي طرحها المؤلف المتخصص في علم النفس التحليلي تفسر صراع الأطفال المبكر مع قضايا مثل الحسد والطمع والكسل والاهتمام بالمظهر وغيرها الكثير، وهي التي تظهر في حكايا الساحرات التي حفظناها عن ظهر قلب الأمر الذي يفسر الطريقة التي يتصرف فيها الاطفال تجاه كل قضية من هذه القضايا والتي بالتالي نحملها معنا وتشكل جزء من شخصيتنا. وبهذا الإصدار القى المؤلف الضوء على المعاني الخفيّة لحكايا الساحرات الخيالية الأمر الذي سيساعد القارئ على فهم أهميتها في اعداد الطفل لمواجهة تحديات الحياة.
شالدن المعروف بمعارضته للمدرسة الفرودية، والمنتمي لما يسمى بالمدرسة ما بعد الفرودية قد حاول التركيز في هذا الكتاب على تغطية مواضيع شتّى تمتدّ من الحكايا الخياليّة والخرافية والسحرية إلى الأساطير الى أدب الأطفال إلى الفولوكلور وجمعه وتدوينه وصولا الى نظريات التحليل النفسي وتطبيقاتها . د.شالدن كاشدان أستاذ في علم النفس في جامعة ماستشوستش صدر له : العلاج النفسي التفاعلي” ، ” علاقة الأشياء الإيجابية”
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC