عبدالرزّاق الربيعي
قال الدكتور عبدالعزيز المقالح “إن ما نعيشه اليوم هو الأسوأ في ما مر باليمن عبر التاريخ من مآسٍ، وحروب، وصراعات دموية ، واللامعقول هو التعبير اللائق لوصف ما يحدث “
ويستدرك في رسالة عبر البريد الإلكتروني وجّهها للشاعر سيف الرحبي ” لكننا يا صديقي العزيز لن نفقد الأمل”
وفي اتّصال هاتفي أجرته معه “أثير” قال المقالح الشاعر الكبير الذي يعدّ من أبرز شعراء الحداثة في الجزيرة العربيّة ،والناقد والأكاديمي الذي ترأس جامعة صنعاء لسنوات عديدة ” إنّ ما يجري في اليمن يفوق الخيال، فكلّ شيء فيها خرّب بفعل القصف المستمرّ ، والإنفجارات ،وتعطّل الحياة فيها منذ شهور”
داعيا المثقّفين العرب، والجمعيّات الأدبية التنبيه إلى ما تتعرّض له اليمن من دمارعبر كتاباتهم، وبذل المزيد من الجهود للوقوف مع اليمن في محنتها .
وحول النصوص التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، والتصريحات التي نسبت إليه ،وحملت اسمه قال “هذه ليست المرة الأولى التي يستغلّ بها بعض الخبثاء اسمي لتمرير رسائلهم عبروسائل مرفوضة
أخلاقياً ،لكن ما يطمئنني إنّ الذين يعرفونني جيّدا يميّزون بسهولة بين ما أكتبه ،وما ينسب إليّ “
مؤكّدا إنّ ما يكتبه من نصوص ،ومقالات يبعثها لجريدة”السفير”اللبنانيّة ، ومجلتي”نزوى “و”دبي الثقافيّة” رغم إنّه لم ير ما نشرله فيهما، فهو شبه منقطع عن العالم الخارجي، إذ لم تعد تصل إليه المجلّات الأدبيّة التي يتابعها ، وما يحمله البريد من كتب، ورسالة ، دوريّات لتعطّل حركة البريد منذ اندلاع الحرب على اليمن”
ورفض مغادرة”صنعاء” التي يعشقها ،ولم يغادرها منذ حوالي أربعة عقود!،معتذرا عن كلّ الدعوات التي وجّهت له ، ومنها دعوات لتكريمه ، وكتب فيها ديوانا أسماه”كتاب صنعاء”، وحول كيفيّة قضاء أوقاته قال الشاعر الكبير إنّ إنقطاع التيار الكهربائي في صنعاء، وبقيّة الخدمات تجعل المعاناة أكبر ،وقد عبّرت عن هذا في نصوصي التي كتبتها تحت القصف:
“سيدي
خالق الكائنات،
الفراشات تهربُ
العصافير تهربُ
أطفالنا ينظرون إليك
وقد أطبق الكربُ أجفانَهم
لا حليب
ولا ماء
لا كهرباء
إنهم في حصار من الموت
والموت ترسله نحوهم…
نحونا الطائرات”
ولم تجعله هذه الأوضاع ينقطع عن الكتابة التي تغلّفها المرارة
“بُحّ صوتي
وغار دمي
وأنا في العشيّات أدعوه
ما كنت أدري
وقد رقدَ الليل
أن الذي كنت أدعوه
كان معي
كان أقربَ مني إليّ
مجهداً كنت
لكنه كان يصغي لصوت دموعي
وهمس جفوني”
هذه النصوص هي أقرب ما تكون ليوميّات شاعر يعيش تحت نيران القصف ، والموت الذي يحاصر صنعاء :
” ذهبَ الذين أحبهم
في الحرب،
بين مشردٍ
ومعفّرٍ
وبقيت كالطفل الذي
افتقد الرعاية والحنانْ.
*
أنا منذ الفجر
تحت القصف
أبكي وأصلِّي
وإذا ما شَعَشعَ الضوء
سألت الضوءَ عنها
عن بلادي
عن حريقٍ يأكل الأكواخ
والأسواق
والأحجار والأخشاب
في صولتهِ،
وبلحمِ البشر الجوعى
يُحلّي.
*
* *
لا أنامْ .
منذ أسبوعٍ
تخلّى النومُ عني
ربما هاجر خوفَ القصف
بحثاً عن مكان «آمنٍ»
لا أمنَ بعد اليوم
في كل بلادٍ
بعد أن غادر عن صنعا المنامْ.
هذه الكانت سريراً دافئاً
وقميصاً مُخملياً ناعماً،
ونهاراً لؤلؤياً للسلامْ”
ورغم كلّ ما يدور حوله ، لم يستسلم المقالح للعزلة، وتعب السنين ، وهو يمضي نحو الثمانين ” ولد عام 1937 ” فبين حين وآخر يغادر منزله ، متوجّها لمكتبه بمركز الدراسات والبحوث اليمني ،ليبعث رسائل إلى المثقّفين العرب ، والجمعيّات، للتضامن مع اليمن ، والمساهمة في ايقاف ما يحدث من تدهور في مرافق الحياة العامّة