ناصر أبو عون
*باحث بمركز الدراسات والبحوث
كان البعض يضع المطالبة بالتحوَّل من (الاقتصاد الريعي) إلى (ريادة الأعمال)، و(تنويع مصادر الدخل) في خانة التنظير الاقتصادي، والرفاه الفكري. وعبر 5 أزمات مالية عالمية متتالية، وحدوث انتكاسات اقتصادية قاصمة كنّا نصحو على سيل من المقالات، والندوات، والمؤتمرات المتخصصة التي تطالب بالخروج من الأزمة بحزمة من التوصيات، وليس غريبا أن تتفق جميع (الوصفات) على ضرورة التحوّل من (الاقتصاد الريعي)، ونفض الحكومات يديها من سياسات الاعتماد على مصدر واحد للدخل غالبا ما يكون مصدرا طبيعيا ليس بحاجة إلى آليات إنتاج معقدة سواء كانت فكرية أو مادية كمياه الأمطار والنفط والغاز. وهي سمة وسمت غالبية بلدان العالم الثالث حيث (تستمد الدولة كل أو جزء كبير من إيراداتها الوطنية من بيع أو تأجير مواردها الأصلية للعملاء الخارجيين). مما نتج عنه (تغيير جذري في شخصية المواطنين فتبدّلت السلوكيات وتآكلت منظومة القيم، وصارت المجتمعات هشة سهلت وأضحى (الاقتصاد افتراضيا) و(المنظومة الاقتصادية) استثنائية (غير قابلة للديمومة)، مما اقتضى (إعادة بناء نظام مالي عالمي جديد) يجعل من (ريادة الأعمال)، والاعتماد على (المعرفة والابتكار)، و(البحث عن إطار مرجعي لبناء الاقتصاد الجديد) فرض عين على كل شعوب وحكومات العالم النامي.
لقد بات توطين مصطلح (ريادة الأعمال) في بيئتنا العربية ضرورة اقتصادية لإخراج (شعوبنا من سباتها)، و(إيقاظ حضارتنا من رقدتها)، وتمكين الشباب) من المساهمة الفاعلة في قيادة وتوجيه ودعم التنمية الاقتصادية المحلية وفق أسس راسخة من التكامل التنموي والاحتراف المهني، وتوفير البيئة الحاضنة والملائمة للقوى المنتجة والاتي غالبا ما تنحصر في الفئة العمرية ما بين (18 – 40) عامًا ودعمهم للمساهمة المباشرة في التنمية المحلية في مناطقهم، بالإضافة إلى مساندتهم لتأسيس وإدارة وتملك المنشآت الصغيرة والمتوسطة في قطاعات اقتصادية مستهدفة ذات قيمة مضافة للتنمية المحلية ورفد الاقتصاد الوطني.
وفي إطار البحث عن حلول واقعية للتحديات التي تواجه قطاع ريادة الأعمال والرغبة الحقيقية في إدماجه في الخطط التنموية للنهوض بالمجتمع لابد من البدء في وضع أجندة بالإشكاليات التي تعوق الانطلاقة الكبرى لهذا القطاع وجدولتها زمنيا لإزاحتها من طريق نهضته والمساهمة في توطينه. وتهيئة المجتمع للتحول المتسارع من (منظومة الاقتصاد الريعي) إلى (آليات ريادة الأعمال) القائمة على (المعرفة والابتكار) ونسوق هنا العديد من التحديات التي تواجهه من أهمها:
أولا – ضرورة ردم فجوة بين (قطاع الصناعة)، و(البحث العلمي) مما يستوجب إنشاء مراكز بحوث متخصصة داخل المنشآت الصناعية والإنتاجية تضع على عاتقها مسؤولية تطوير وتحديث المنتجات والبحث عن حلول واقعية وعلمية للمشكلات.
ثانيًا – بات من الفروض المؤكدة ضرورة إنشاء مراكز تدريب متخصصة تابعة أو مرتبطة بالمؤسسات الصناعية لمواكبة التطور العالمي في مجالات تخصصها.
ثالثًا – صار حتميًا الاشتغال على مشاريع ومنتجات (غير متشابهة وغير متكررة)، و(تشابه خطوط الإنتاج) للخروج من حيز المنافسة اللاحترافية مما ينتج عنه تنافس على شرائح محددة في السوق دون البحث عن شرائح جديدة.
رابعًا – ضرورة إنشاء هيئات تسويقية كبرى رئيسة تكون وسيطا بين المنتجين والمستهلكين حتى يتسنى للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبرى العمل بكامل طاقتها الإنتاجية.
خامسًا – رفض الاتجاه نحو (الصناعات التجميعية)، و(صناعات التعبئة والتغليف) وتشجيع رواد الأعمال والمؤسسات القائمة على الابتكار وتبني الاختراعات، والحصول على حقوق الملكية الفكرية والإنتاجية.
سادسًا – ضرورة إعفاء مستلزمات الإنتاج وقطع الغيار الخاصة بقطاع ريادة الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من الضرائب الجمركية من أجل زيادة التنافسية داخل القطاع.
سابعًا – إعطاء روّاد الأعمال حوافز ومميزات تشجيعية وضريبية لإعادة تدوير الأرباح المتحققة في رأس المال.
ثامنًا – إعادة دراسة التشريعات الخاصة بإنشاء المناطق الصناعية والتنموية والحرة.، وتطويرها وتحديثها بما يناسب التحول من الاقتصاد الريعي إلى آليات ريادة الأعمال. مع مراجعة البيئة القانونية والتنظيمية لشركات القطاع الصناعي بما يضمن استمرار عملية التحديث والتطوير.
تاسعًا – وضع استراتيجية لتوطين وإدارة الجودة تلزم رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة المؤسسات وخاصةً الصناعية بالالتزام بالإنتاج وفق الاعتمادات والشهادات القياسية الدولية. مع ترسيخ مفاهيم الجودة في الإدارة والإنتاج ووضع المعايير والضوابط اللازمة لأداء الشركات، مع وضع مواصفات محددة للمنتج ومراقبة الجودة والتغذية الراجعة.
عاشرًا – تحديد الآفاق المستقبلية لتحديث وتطوير (قطاع ريادة الأعمال) في رؤية شمولية للهيكل الاقتصادي المرغوب، والهيكل الاقتصادي السائد موضوع التغيير.
حادي عشر – دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، مع تحفيز الاستثمار بالصناعات التصديرية ذات الميزة التنافسية.
ثاني عشر – تفعيل الحساب الاقتصادي ودراسات الجدوى، والربط بين الخطة الإنتاجية، والتسويقية، تحقيق مبدأ السلعة الأفضل بالسعر الأنسب.
ثالث عشر – تشجيع الصناعات ذات المحتوى التقاني ذات التكاليف التأسيسية المنخفضة والربحية العالية.
رابع عشر – القيام بدراسات جادة وتطبيقية حول إنتاجية (الموظفين المواطنين) في قطاع ريادة الأعمال وتطبيق التوصيات مع ربط حركة القطاع الصناعي وآفاق تطوره بحركة القوى الفاعلة في المجتمع لاستكمال دائرة حركته.
خامس عشر – تبسيط بيئة الأعمال وبيئة الاستثمار وتشجيع الاستثمارات وتوفير البيئة التشريعية المحفزة على التطوير والتحديث.
سادس عشر – عشر – الانتقال بالأيدي العاملة داخل قطاع ريادة الأعمال من الكم إلى النوع وتحديد الصفة الوظيفية لكل عامل والمؤهلات المطلوبة.
سابع عشر – وضع خريطة تنموية جغرافية وعدم تركز الصناعات في مناطق محددة ودعم المناطق النائية. والاحتكام إلى أولوية الرعاية الإنتاجية، وربطها بنتائج الرعاية الاقتصادية والإنتاجية بشكل محدد.
ثامن عشر – تحديد السياسات اللازمة لتعديل نمط توزيع الموارد بين الاستخدامات المتاحة باتجاه التعديل القطاعي والمكاني وتحفيز العمال عن طريق منحهم حصة من الأرباح.
تاسع عشر- تحديد الأدوار المرحلية والمستقبلية للدولة في تحقيق (الأهداف المرسومة لقطاع ريادة الأعمال) وفق جدول زمني يضع في أولوياته: (الإمكانات المتاحة، والموارد المادية وفق منطق العلم، وعدم التجاوز على المصادر الإيرادية الإنتاجية، والاحتكام إلى الكفاءة في تخصيص الموارد).